إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة
قال ﵀: [ولقد دخل أيضًا فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانًا بأبصارهم، كما يرون الشمس صحوًا ليس بها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى] .
هذا الفصل عقده المؤلف ﵀ لتقرير رؤية المؤمنين لربهم ﷾، وأنه ﷾ يرى يوم القيامة.
فقال ﵀: [وقد دخل أيضًا فيما ذكرناه من الإيمان به -يعني: بالله جل وعلا- وبكتبه وبملائكته وبرسله الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة] .
أما دخول ذلك في الإيمان بالله فلأن الرؤية تتعلق به جل وعلا، فالإيمان بأن الله يرى من الإيمان بالله ﷾، أما كون ذلك من الإيمان بالكتب فلأن كتب الله ﷾ أخبرت بأنه ﷾ يرى يوم القيامة، ومن ذلك ما أخبر الله ﷾ به في كتابه: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:٢٦]، وقد فسر النبي ﷺ الزيادة بالنظر إلى الله جل وعلا، وكما قال ﷾: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة:٢٢-٢٣]، وقوله جل وعلا: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق:٣٥]، فسر المزيد برؤيته ﷾، والنظر إليه.
فالكتب -والقرآن أشرفها وأعظمها وأجلها- أخبرت بأن الله ﷾ يرى يوم القيامة، أما كون ذلك داخلًا في الإيمان بالملائكة فلأن الملائكة هي التي بلغت الكتب، فمن قال: إن الله ﷾ لا يرى يوم القيامة فإنه لم يؤمن بالملائكة حق الإيمان، وكذلك الرسل؛ لأنهم أخبروا بأن الله ﷾ يرى يوم القيامة، وقد جاء عن النبي ﷺ أحاديث متواترة أن الله ﷾ يراه أهل الإيمان يوم القيامة، فالأحاديث في ذلك مستفيضة متواترة.
الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة هذا عقد أهل السنة والجماعة، ودل على ذلك الكتاب -وقد تقدم الإشارة إلى الآيات- والسنة، وذلك في أحاديث كثيرة تبلغ حد التواتر يخبر فيها النبي ﷺ بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وهذا الدليل الثاني.
والدليل الثالث: إجماع سلف الأمة على أن الله ﷾ يرى يوم القيامة، فقد اتفق الأئمة من السلف أن الله ﷾ يرى يوم القيامة كيف شاء، وأنه ﷾ يرى رؤية حقيقة لا كما يقول المؤولون: إنها كشف تجلي معنوي، بل هي رؤية حقيقة؛ ولذلك قال المؤلف ﵀ في تقرير هذا المعنى: [عيانًا بأبصارهم]، أي: يرونه بأعينهم معاينة، وذلك لما جاء من الأدلة في الكتاب والسنة، وكلام السلف على هذا.
ومن أوضح ما يكون في كتاب الله ﷿ قوله ﷾: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة:٢٢-٢٣]، وهم أولوها وقالوا: إلى فضله وإحسانه وجوده وثوابه وما إلى ذلك!
17 / 5