شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
الناشر
دار القمة
الإصدار
-
مكان النشر
الإسكندرية
تصانيف
أهيم. فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ ﷺ شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير، وعناق فذبحت العناق وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم في البرمة، ثمّ جئت النّبيّ ﷺ والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج. فقلت: طعيّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.
قال: «كم هو؟» فذكرت له. قال: «كثير طيّب» . قال: «قل لها: لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي» . فقال: «قوموا»، فقام المهاجرون والأنصار، فلمّا دخل على امرأته قال: ويحك جاء النّبيّ ﷺ بالمهاجرين والأنصار ومن معهم! قالت: هل سألك؟ قلت:
نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا»، فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللّحم، ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتّى شبعوا، وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا، وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» «١» .
الشّاهد في الحديث:
أن الصحابة ﵃ عند قيامهم بحفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب، عجزوا عن كسر وتفتيت قطعة صلبة من الأرض حيث إن الفأس لا يؤثر فيها لشدتها، فجاؤا إلى النبي ﷺ كأنهم يستنجدون به من المأزق الذي وقعوا فيه، فنزل النبي ﷺ وأخذ الفأس وضرب الصخرة، فتحولت إلى تل من الرمال، مع العلم بأن النبي لبث ثلاثة أيام لا يذوق طعاما، مما يجعله في أشد حالات الضعف، ومما يدل على قوته ﷺ وكمال رجولته، ما روى أنس بن مالك قال: (كان النّبيّ ﷺ يدور «٢» على نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل والنّهار وهنّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟! قال: كنّا نتحدّث أنّه أعطي قوّة ثلاثين) «٣» .
وفي الحديث فوائد منها:
الفائدة الأولى:
أخلاق النبي ﷺ العالية، ويظهر ذلك في كونه لم يؤثر نفسه بطعام ولا بشراب مخصوص، دون بقية العسكر- مع أنه القائد- بل ربط الحجر على بطنه، ثلاثة أيام من الجوع، وما امتنع عن العمل وهو القائد لجوعه الشديد، بل اشترك معهم في العمل،
(١) البخاري، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق وهي الأحزاب برقم (٤١٠١) .
(٢) يدور على نسائه: يجامعهن.
(٣) البخاري، كتاب: الغسل، باب: إذا جامع ثم عاد ...، برقم (٢٦٨) .
1 / 350