شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
الناشر
دار القمة
رقم الإصدار
-
مكان النشر
الإسكندرية
تصانيف
يقول كل منهم: نفسي، نفسي، نفسي، وينطلق الرسول ﷺ إلى ربه، لا يسأله نفسه، ولا أمته، بل يسأله أن يفرج ما الناس كلهم ملاقوه في هذا اليوم العظيم، ولا يفهم أحد، أن هذا الكلام يراد به التقليل من شأن الأنبياء، عليهم جميعا الصلاة والسلام، فهذا منكر عظيم، ولكن هذا الكلام بيان لفضل الحبيب ﷺ وهو فضل الله يؤتيه من يشاء.
٤- ظهور ما كان عليه النبي ﷺ من عصمة في الدنيا، ما بعدها عصمة، حيث إن كل نبي من الأنبياء قد ذكر شيئا يمنعه من الشفاعة، إلا عيسى ﵇، ولأنه لم يذكر شيئا فعله يمنعه من الشفاعة، فقد ذكر أن الذي يمنعه منها، وجود من هو أحق بها، وهو العبد الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك أحال- ﵇ الناس إلى النبي ﷺ.
ويجب الإشارة هنا إلى أن مكانة النبي ﷺ في الآخرة، ترجع إلى أنه ما اقترف أي شيء في الدنيا، يلام عليه، ويحتاج فيه إلى مغفرة ربه، ﵎، وأن قول الله تعالى:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [سورة الفتح: من الآية ٢]، إنما هو من باب رفع شأنه ومنزلته وطمأنته أنه وإن فعل شيئا، يحتاج إلى مغفرة، فإن هذه المغفرة حاصلة. والدليل على ذلك، أن موسى قد قتل نفسا، واستغفر ربه، فغفر له وجاء يوم القيامة مشفقا من هذا الذنب، وذكره على سبيل المانع من القيام بالشفاعة، ولو أن النبي ﷺ، قد ارتكب أي شيء، وغفره الله له، لاستوى الأمر مع موسى ومحمد- عليهما الصلاة والسلام- يوم القيامة، ولكن هذا لم يحدث، بل فضل النبي ﷺ ظاهر من جهتين، الأولى: أنه لم يفعل شيئا مطلقا يلام عليه، صغيرا أو كبيرا، يحتاج فيه إلى التوبة، والثانية: أنه لو صدر منه شيء، فإن الله- ﷿ قد وعده بمغفرته ومحو الذنب قبل أن يقع الذنب، وقبل أن يحدث التوبة، وهذا أعظم المقامات، بل منتهاها، ولعلم عيسى ﵇ بهذا المقام العظيم، لم يجرؤ على الشفاعة، مع أنه لم يذنب ذنبا.
٥- عظيم منزلة النبي ﷺ يوم القيامة عند ربه، تظهر هذه المنزلة في النقاط التالية:
أ- أنه اختصه بالشفاعة العظمى في ذلك اليوم العظيم، وهو المقام المحمود، الذي وعد الله نبيه ﷺ به، في القرآن الكريم، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا [الإسراء: ٧٩] .
ب- جعل الله- ﵎ الناس يذهبون للأنبياء، فيتعذرون عن الشفاعة، حتى يذهبوا آخر المقام إلى خاتم النبيين، وكان من الممكن أن يقدّر الله ذهابهم إليه ابتداء، ولكن قد يظن ظان أنه يوجد مع النبي أحد يقدر على الشفاعة العظمى، أو أن أحدا يزاحمه
1 / 205