Scien togoraphy
وكانت قد توافرت مادة دراسية وافية عن العلم وتاريخه وحركته وتنظيمه وتخطيطه تصلح أساسا لموضوع علم العلم الذي وضع لبناته الأولى العالم البريطاني المبرز جون برنال في كتابه «الوظيفة الاجتماعية للعلم» ثم كتاب «العلم في التاريخ». وهذا لا ينفي محاولات سابقة منذ القرن السابع عشر، حاولت أن تلقي نظرة شاملة إلى العلم ولكنها تأملية خالصة.
ويعتبر علم العلم نسقا مركبا يتألف من أفرع وجوانب كثيرة: البنية المنطقية للعلم، منطق تطور العلم، وسوسيولوجيا العلم، تنظيم العلم، اقتصاد العلم وطبيعة الإبداع وسيكولوجيا النشاط العلمي، ونظرية تنظيم العلم أو إدارة العلم باعتباره مؤسسة اجتماعية .. إلخ. وتجري دراسة هذه الجوانب جميعها في وحدة متكاملة مع بيان تأثير كل منها في الآخر . ويهدف هذا المنهج في البحث إلى الكشف عن أداء وتطور العلم كنسق خاص والإفادة بهذه النتائج في النظرية والتطبيق.
وعلى الرغم من أن الاهتمام ببحث موضوع المعرفة بعامة، والمعرفة العلمية بخاصة باعتبارها ظاهرة متطورة تاريخيا ليس بالبحث الجديد، فإن الجديد هو تباين وجهات النظر، وتعدد مناهج البحث والنشاط المحموم إلى حد الصراع والتطاحن في هذا الصدد؛ مما يكشف عن اهتمام وحاجة ملحة، وإدراك لأهمية دراسة هذه الظاهرة في إطارها الثقافي الاجتماعي التاريخي مع الاستفادة بإنجازات العلوم الإنسانية التي دفعت إلى تغيير مسار التفكير الفلسفي والدخول في مواجهة مع فلسفة اتخذت لنفسها اسم «الفلسفة العلمية» ونعني بها الوضعية المنطقية.
فقد شهد العلم تطورات دفعت مفكرين عديدين إلى أن ينحوا نحوا آخر جديدا غير وضعي في تناول فلسفة العلم. والجدير بالذكر هنا أن الفلسفة الوضعية نزعت إلى إغفال تاريخ العلم باعتباره غير ذي صلة بفلسفة العلم، وبناء على الاعتقاد بأنه «لا منطق للاكتشاف» وأن عمليات ملاءمة الاكتشاف العلمي والتقدم العلمي هي موضوع تختص بدراسته علوم أخرى مثل علم النفس أو علم الاجتماع أو غيرهما، حيث إن فلسفة العلم مقتصرة على منطق البحث فحسب، وأن عالم المنطق مهمته تحديد اللغة ضمانا لدقة وتطابق الاصطلاحات، وأن ما يعنيه هو البنية المنطقية لكل القضايا الممكنة التي تزعم أنها قوانين علمية.
واعتاد فلاسفة التجريبية المنطقية النظر إلى تاريخ العلم باعتباره أساسا مسجلا لعمليات إزاحة تدريجية للخرافة والهوى وغير ذلك من معوقات التقدم العلمي. وتتمثل عمليات الإزاحة في إضافات متزايدة باطراد وتوليف للمعارف لتندرج كل فئة من المعارف العلمية الجديدة في إطار البحث العلمي الخاص بها .. وهذا هو التفسير المألوف لتاريخ العلم، والذي أطلق عليه توماس كون وغيره «مفهوم التطور عن طريق التراكم» الذي يتصدى له في كتابه هذا.
وبرزت خلال حركة التمرد على فلسفة العلم هذه آراء زعمت أنها جديدة وراديكالية ليس فقط من حيث مذهبها بشأن العلم وتطوره وبنيته بل وأيضا من حيث تصوراتها للطرق الملائمة لحل مشكلات فلسفة العلم وبيان هذه المشكلات ذاتها.
ومن هذه الدراسات المتمردة كتاب «بنية الثورات العلمية» تأليف «توماس كون» العالم الأمريكي الذي تخصص في تاريخ العلم. وصادف كتابه استجابة واسعة، وأثار جدلا ساخنا لم يهدأ بعد، واحتل الصدارة في جداول عدة مؤتمرات دولية معنية بتاريخ العلم. وصدرت دراسات عديدة تركزت على نظريته ما بين تأييد أو معارضة لها أو توضيح لآثارها وانعكاساتها على مناهج بحث لفروع علمية متباينة وبخاصة العلوم الاجتماعية.
لب نظرية «كون» فكرة النموذج الإرشادي
. وقد أخذ المصطلح عنده أكثر من معنى؛ إذ اضطر إلى تحديده بدقة أكبر عند الرد على منتقديه. والنموذج الإرشادي أو الإطار الفكري هو تلك النظريات المعتمدة كنموذج لدى مجتمع من الباحثين العلميين في عصر بذاته، علاوة على طرق البحث المميزة لتحديد وحل المشكلات العلمية وأساليب فهم الوقائع التجريبية. ويركز «كون» على الطبيعة الجمعية للنشاط العلمي مؤكدا أن العالم الفرد لا يمكن اعتباره ذاتا كافية للنشاط العلمي. وانتهى «كون» إلى نتائج بعيدة المدى ذات طبيعة أبستمولوجية ومنهجية. ولا يرى «كون» أن هناك نقلات منطقية بين النماذج الإرشادية المنفصلة إذ يشبهها بعوالم مختلفة يعيش فيها الباحثون.
صفحة غير معروفة