<div dir="rtl" id="book-container">
تكفل سبحانه بحفظه ولم يحفظ كتابا من الكتب كذلك فقال عز من قائل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)} [الحجر: 9] وقال: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)} [فصلت: 41، 42]. في روح المعاني للعلامة النحرير المفسر الدراكة الشهير، أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن محمود الألوسي: اعلم أن القرآن جمع أولا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أخرج الحاكم بسنده على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - نؤلف القرآن في الرقاع (1). وثانيا بحضرة أبي بكر - رضي الله عنه - فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت أيضا قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالا: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره {لقد جاءكم رسول} حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن أبي داود بسند رجاله ثقات مع انقطاع أن أبا بكر قال لعمر وزيد مع أنه كان حافظا اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. ولعل الغرض من الشاهدين أن يشهدا على أن ذلك كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو على أنه مما عرض عليه - صلى الله عليه وسلم - عام وفاته وإنما اكتفوا في آية التوبة بشهادة خزيمة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل شهادته بشهادة رجلين انتهى.
صفحة ٢٤