ولم تشعر فرانسي بشيء قط حين وخزتها الإبرة، كانت موجات الألم بدأت تجتاح جسمها إثر كلمات الطبيب، وتطرد منه كل المشاعر الأخرى، وبينما الممرضة تربط ذراعها بقطعة من الشاش بمهارة، والطبيب يضع الآلة في جهاز التعقيم، ويأخذ منها إبرة جديدة، نطقت فرانسي قائلة: إن أخي سيأتي بعدي، وذراعه قذرة مثل ذراعي تماما، فلا تعجبا، ولا داعي لأن تخبراه بذلك، حسبكما أنكما أخبرتماني أنا.
وحملقا في تلك الطفلة الضئيلة التي نطقت على هذا النحو العجيب، وتمزق صوت فرانسي وهي تنتحب: لا داعي لأن تخبراه بذلك، ثم إن كلاكما لن يسيء إليه، فهو صبي لا يهمه كثيرا أن يكون قذرا.
واستدارت وتعثرت قدماها قليلا، ثم خرجت من الحجرة، وسمعت - والباب يغلق - صوت الطبيب المندهش يقول: لم يكن يدور بخلدي قط أنها سوف تدرك ما قلت.
وسمعت الممرضة تقول وهي تتنهد: صدقت.
وكانت كاتي في البيت وقت الغداء حين عاد الطفلان، ونظرت إلى ذراعيهما المربوطتين والأسى يفيض من عينيها، وتكلمت فرانسي في انفعال: لماذا؟ لماذا يا أمي؟ لماذا هم يضطرون إلى ... إلى ... أن يقولوا أشياء ثم يغزوا إبرة في ذراعك؟
وقالت أمها في حزم بعد أن انتهى كل شيء: إنه التطعيم، شيء مفيد جدا، يجعلك تعرفين يدك اليسرى من اليمنى، يجب عليك أن تكتبي بيدك اليمنى حين تذهبين إلى المدرسة، وهذا الجرح سوف يكون هناك ليقول لك آه، آه، ليست هذه هي اليد، استعملي اليد الأخرى!
ورضيت فرانسي بهذا التفسير؛ لأنها لم تكن تستطيع قط أن تميز يدها اليسرى من اليمنى، وتأكل وترسم الصور بيدها اليسرى، وكانت كاتي تصحح لها ذلك دائما وتنقل قطعة الطباشير أو الإبرة من يدها اليسرى إلى اليمنى، وبدأت فرانسي بعد تفسير أمها للتطعيم تفكر في أنه ربما كان شيئا رائعا، بل ثمنا زهيدا تدفعه في سبيل حل مثل تلك المشكلة الكبرى، فتستطيع أن تميز يدها اليسرى من اليمنى، وبدأت فرانسي تستعمل يدها اليمنى بدلا من اليسرى بعد التطعيم، ولم تعد تلقى في ذلك مشقة أبدا.
وخرت فرانسي صريعة الحمى في تلك الليلة، وشعرت برغبة مؤلمة في أن تحك موضع الحقن، وأخبرت أمها فانزعجت لذلك كثيرا، وأصدرت إليها أوامر مشددة. - يجب عليك ألا تحكيها مهما بلغ بك الأمر. - لماذا لا أستطيع أن أحكها؟ - لأنك إن فعلت فإن ذراعك سوف تتورم ويسود لونها وتسقط من جسدك، فلا تحكيها إذن!
ولم تقصد كاتي بذلك أن تفزع الطفلة، فقد استبد بها الفزع هي نفسها، وكانت تعتقد أن تسمم الدم خليق بأن يحدث لو أن الذراع لمست، وأرادت أن تفزع الطفلة حتى لا تحك ذراعها.
وركزت فرانسي انتباهها في الامتناع عن حك الموضع الذي يؤلمها، وأحست في اليوم التالي بوخزات الألم تسري في ذراعها، وبينما هي تستعد للنوم نظرت بحذر تحت الرباط فأصابها الفزع، وهي ترى موضع دخول الإبرة متورما أخضر اللون، داكنا متقيحا يقطر منه سائل أصفر اللون، فكيف وقع لها ذلك وهي لم تحكه، كانت تعلم أنها لم تفعل، ولكن صبرا! ربما حكته الليلة السابقة أثناء نومها، نعم لا بد أنها فعلت ذلك، وخشيت أن تخبر أمها التي كانت خليقة بأن تقول: إنني أخبرتك وأخبرتك، وبالرغم من ذلك لم تستمعي إلي، فانظري ما حدث لك.
صفحة غير معروفة