وخجل ماكجريتي؛ إذ أحس بأن حيلته قد انكشفت، وأعاد الرزمة السميكة إلى جيبه، حيث شعر بها تضايقه فوق فخذه، وقالت كاتي: ولكنني أشكرك يا سيد ماكجريتي على نواياك الطيبة.
وأطلقت كلماتها القليلة الأخيرة لسانه من عقاله فبدأ يتكلم، أخذ يحكي عن صباه في أيرلندا، وعن أمه وأبيه وإخوته وأخواته الكثيرين، وحكى عن حلمه في الزواج، وأخبرها بكل ما راود أفكاره منذ سنين، ولم يذم زوجته وطفليه بل أخرجهم تماما من قصته، وتكلم عن جوني، وكيف كان يحكي له كل يوم عن زوجته وطفليه.
وقال وهو يشير بيده السميكة إلى أنصاف الستائر المصنوعة من القطن الأصفر، وقد حليت بورود حمر: انظري إلى هذه الستائر، فقد أخبرني جوني كيف أنك فصلت من رداء قديم لك ستائر المطبخ، وقال إنها جعلت المطبخ يبدو في جمال عربة النور من الداخل.
والتقطت فرانسي التي كفت عن التظاهر بالاستذكار كلمات ماكجريتي الأخيرة، وقالت بينها وبين نفسها وهي تنظر إلى الستائر نظرة جديدة: عربة النور، إذن فقد قال أبي ذلك، إنني لم أعتقد أنه لاحظ الستائر الجديدة حين علقت، أو أنه علق عليها بشيء، ولكنه لاحظها وقال ذلك الحديث الجميل عنها لهذا الرجل.
وكادت فرانسي وهي تسمع ما يقال عن أبيها، تعتقد أنه لم يمت: إذن فقد قال أبي مثل ذلك الكلام لهذا الرجل.
وحملقت في ماكجريتي باهتمام جديد، وكان رجلا قصيرا بدينا له يدان سميكتان، ورقبة قصيرة حمراء، وشعر ناحل، وقالت فرانسي بينها وبين نفسها: ترى من كان يظن أبدا حين ينظر إلى مظهره، أنه يختلف ذلك الاختلاف عن جوهره؟
وأخذ ماكجريتي يتكلم ساعتين دون توقف، واستمعت له كاتي في انتباه، ولم تكن تنصت إلى حديث ماكجريتي، ولكنها كانت تنصت إلى حديثه عن جوني، وحين يتوقف لحظة كانت تستحثه بردود انتقالية من حين إلى حين مثل «نعم» أو «ثم ماذا» أو «بعد ...»، وحين يتعثر في كلمة تواتيه بكلمة يتقبلها ممتنا.
وبينما هو يتكلم حدث شيء جدير بالذكر، شعر أن رجولته الضائعة دبت في أوصاله، ولم يكن ذلك راجعا إلى تلك الحقيقة المادية، وهي أن كاتي كانت ماثلة معه في الحجرة، فقد كانت حاملا في أيام حملها الأخيرة، حتى لم يكن يستطيع أن ينظر إليها دون أن تنقبض نفسه، لا ... لم تكن هي المرأة التي أثارته، وإنما الحديث معها هو الذي فعل ذلك.
وزحف الظلام إلى الحجرة، وتوقف ماكجريتي عن الكلام بعد أن بح صوته وشعر بالتعب، ولكنه كان نوعا جديدا من التعب؛ ذلك التعب الذي يبعث في النفس الراحة والطمأنينة، وشعر في إحجام أنه ينبغي له أن يذهب إلى عمله، فسوف تمتلئ الحانة بالرجال العائدين إلى بيوتهم بعد العمل، والرجال الذين يعرجون على الحانة ليفرغوا في حلوقهم كأسا من الخمر قبل تناول العشاء، ولم يكن يحب أن تقف ماي خلف مائدة الشراب حين تزدحم الحانة بالرجال، ونهض على قدميه متباطئا:
وقال وهو يتمسح بقبعته البنية اللون: أيمكنني أن آتي إلى هنا مرة من حين إلى حين لأتحدث معك؟
صفحة غير معروفة