199

شجرة تنمو في بروكلين

تصانيف

وخرجت كاتي عن مألوفها تماما حين استعد الطفلان للذهاب إلى فراشهما، وكان خروجها هذا عن المألوف يرجع إلى أنها لم تكن من النساء اللائي يستعرضن عواطفهن، فقد ضمت الطفلين إلى صدرها وقبلتهما قبلة المساء، وقالت: إني منذ الآن أمكما وأبوكما.

38

وقالت فرانسي لأمها قبل انتهاء إجازة عيد الميلاد مباشرة إنها لن تذهب إلى المدرسة مرة أخرى.

وسألتها الأم: ألا تحبين المدرسة؟ - بل أحبها، ولكني بلغت الرابعة عشرة، وأستطيع أن أحصل بسهولة على أوراقي للعمل. - لماذا تريدين أن تذهبي إلى العمل؟ - كي أساعدك. - لا يا فرانسي، إني أريد منك أن تعودي إلى المدرسة وتحصلي على الشهادة، لم يبق لك إلا شهور قليلة وسوف يقبل شهر يونيو دون أن تحسي به، ويمكنك أن تحصلي على أوراق العمل هذا الصيف، وربما استطاع نيلي ذلك أيضا، ولكنكما سوف تذهبان أنتما الاثنان إلى المدرسة الثانوية في الخريف؛ لهذا دعك من أوراق العمل وعودي إلى المدرسة. - ولكن كيف نستطيع يا أماه أن نعيش حتى يحل الصيف؟ - سنتدبر الأمر.

ولم تكن كاتي واثقة بنفسها الثقة التي بدت في كلماتها، فقد كانت تفتقد جوني لأكثر من سبب، لم يكن جوني قد انتظم في عمله أبدا، ولكن كان هنالك عمل ليلة السبت أو الأحد غير المتوقع الذي يجلب له ثلاثة دولارات، ثم إن جوني كان حين تشتد الحالة سوءا يلتمس وسيلة، يستجمع فيها نفسه لحظة ليجتاز بهم تلك الأزمات، ولكن لم يعد لجوني وجود الآن.

وعمدت كاتي إلى التقتير والادخار، وظلت تدفع الإيجار ما دامت ماضية في تنظيف المساكن الثلاثة، وكان نيلي يحصل على دولار ونصف دولار في الأسبوع من بيع الصحف، وكان ذلك خليقا بأن يوفر الفحم لهم إذا أشعلوا النار في الليل فحسب، ولكن صبرا! كان يرد إليهم عشرون سنتا كل أسبوع من أرباح قسط التأمين (وكانت كاتي قد أمنت على حياتها لقاء عشرة سنتات في الأسبوع، وأمن كل من الطفلين على حياته بخمسة سنتات) حقا، إنهم يستطيعون أن يوفروا ذلك لو تنازلوا عن قليل من الفحم، وذهبوا إلى فراشهم مبكرين قليلا، فما بال الملابس؟ إنهم لم يكونوا يفكرون فيها، وكانت فرانسي من حسن الحظ قد حصلت على الحذاء الجديد، وحصل نيلي على الحلة، وبقيت المشكلة الكبرى، وهي تدبير الطعام.

ربما كانت السيدة ماكجريتي خليقة بأن تجعلها تغسل لها مرة أخرى؛ إن ذلك يجلب لها دولارا في الأسبوع، ثم إنها تستطيع أن تحصل على بعض أعمال التنظيف بالخارج، أجل إنهم يستطيعون تدبير الأمر على أي حال.

ودبروا الأمر حتى نهاية شهر مارس، وما إن حل هذا الوقت حتى أصبحت كاتي غير صالحة للعمل (وكان موعد وضعها للطفل يحل في مايو) وكانت النساء اللائي تخدمهن ينقبضن ويشحن بوجوههن عنها، حين يرين بطنها المنتفخ بالجنين، وهي تقف أمام منضدة الكي في مطابخهن، أو يرينها في وضع حرج وهي تزحف على يديها وركبتيها لتمسح أرضية بيوتهن، وكن يضطررن إلى مساعدتها شفقة عليها، ولكنهن ما لبثن أن أدركن أنهن يدفعن أجرأ لخادمة تنظف البيت، بينما هن يقمن بمعظم العمل على أي حال؛ ولهذا أخذت كل واحدة منهن بعد الأخرى تخبرها بأنها لم تعد تحتاج إليها.

وجاء يوم عجزت فيه كاتي عن أن تدفع العشرين سنتا لمندوب شركة التأمين، وكان صديقا قديما لأسرة روملي، ويعرف ظروف كاتي. - إني أكره أن يفوتك موعد دفع قسط التأمين يا سيدة نولان، وخاصة أنك قد دأبت على سداده في مواعيده طوال هذه السنين بلا انقطاع. - أولى بك ألا تجعل موعد تسديد القسط يفوتني؛ لأنني تأخرت قليلا في الدفع. - أنا لن أفعل، ولكن الشركة تفعل، ولكن انظري! لماذا لا تقبضين تأمين الطفلين نقدا؟ - لم أكن أعلم أنك تستطيع ذلك. - قليل من الناس يعلمون، إنهم يتوقفون عن دفع الأقساط وتظل الشركة صامتة، ويمر الوقت وتحتفظ الشركة بالمال الذي دفع من قبل، إني سوف أفقد وظيفتي إذا علموا أنني أخبرتك بذلك، ولكن هذه هي وجهة نظري، لقد أمنت على حياة أبيك وأمك، كما أمنت على حياتكن أنتن يا بنات روملي جميعا وأزواجكن وأطفالكن، ولا أدري كيف كان ذلك، لكني حملت كثيرا جدا من الرسائل بينكم عن الوضع وعن المرض وعن الموت، حتى شعرت أنني جزء من الأسرة.

وقالت كاتي: لم نكن نستطيع عمل شيء بدونك. - إذن هاك ما تفعلينه يا سيدة نولان، اقبضي تأمين الطفلين نقدا، ولكن اتركي تأمينك، فإذا ما حدث شيء لأحد الطفلين، لا قدر الله، فإنك تستطيعين تدبير أمر دفنه، في حين أنه إذا حدث لك شيء، لا قدر الله أيضا، فإنهما لا يستطيعان أن يقوما بدفنك من غير قيمة التأمين، أم ترين أنهما يستطيعان؟ - لا، إنهما لا يستطيعان، ينبغي لي أن أستمر في تأميني، إنني لا أريد أن أدفن كالمعدمين في مقبرة الصدقة، ذلك شيء لن يستطيعا أبدا أن يغفراه لي، لا هما ولا أولادهما ولا أولاد أولادهما؛ لهذا سأمضي في دفع قسط تأميني، وأعمل بنصيحتك بالنسبة لتأمين الطفلين، أخبرني ماذا يجب علي أن أفعل؟

صفحة غير معروفة