أما فرانسي فإنها سعيدة في هذه المدرسة، حريصة على أن تكون فتاة طيبة وتتطلع كل يوم إذ تمر بالبيت الذي ادعت أنها تسكن فيه في امتنان، وتمضي في الأيام التي تهب فيها الرياح وتطير الأوراق أمام البيت، تلتقط القمامات وتضعها في صندوق النفايات القائم أمام البيت، وفي الصباح بعد أن يفرغ جامع القمامة الحقيبة المصنوعة من القنب ويلقي الحقيبة بإهمال في الممر، بدلا من الفناء، فإن فرانسي تلتقطها وتعلقها على دريئة بالسور، وكل سكان البيت يعتبرونها طفلة هادئة تعاني من عقدة غريبة، تحملها على الإسراف في طلب النظافة.
وفرانسي تحب تلك المدرسة، وتمر كل يوم بثمان وأربعين عمارة وهي في طريقها إليها، وقد أحبت المشي أيضا، وتطلب منها هذا الأمر أن تخرج في الصباح مبكرة قبل نيلي، وتعود إلى البيت بعده بكثير، ولم يكن يهمها في ذلك سوى أنها تعاني قليلا من المشقة وقت الغداء، وكان عليها أن تمر باثنتي عشرة عمارة لتعود إلى البيت، ومثلها لترجع ثانية إلى المدرسة، كل ذلك في الساعة الواحدة، وكان يتبقى وقت قليل للأكل، ولم تكن أمها توافق على أن تحمل فرانسي غداءها معها، وتحتج قائلة: إن الصلة بينها وبين بيتها وأسرتها سوف تنفصم قريبا، كما أن عودها يشتد سريعا، أما وهي لا تزال طفلة فإن الأمر يقتضي أن تتصرف تصرف الأطفال، فتعود إلى البيت وتأكل على نحو ما يأكل الأطفال: لعل الخطأ هو في ذهابها إلى مدرسة بعيدة كل هذا البعد، فما قولك؟
وجادلها الأب قائلا: ولكنها يا كاتي مدرسة جيدة. - إذن فلنتحملها بخيرها وشرها.
واستقر الرأي بالنسبة لموضوع الغداء، وكان لدى فرانسي فسحة من الوقت تبلغ خمس دقائق أو نحوها لتتناول غداءها، وهو وقت يكاد يكفي لعودتها إلى البيت لتأخذ شطيرة تأكلها، وهي في طريق عودتها إلى المدرسة، ولم تكن تعد نفسها قط مرهقة، كانت سعيدة بالمدرسة الجديدة سعادة جعلتها حريصة على أن تدفع على نحو ما ثمن هذه السعادة.
كان من الخير أنها سعت إلى دخول تلك المدرسة، فقد عرفت عوالم أخرى غير العالم الذي ولدت فيه، وأن هذه العوالم ليست صعبة المنال.
24
وكانت فرانسي تعد السنين التي تمر بعدد الإجازات لا بعدد الأيام أو الشهور، والعام بالنسبة لها يبدأ في اليوم الرابع من شهر يوليو؛ لأنه يوم الإجازة الأول بعد أن تغلق المدرسة أبوابها، فتبدأ قبل ذلك اليوم بأسبوع في جمع الصواريخ، وتنفق كل بنس يمكنها الحصول عليه من أجل لفائف الصواريخ الضخمة، وتكدسها في صندوق تحت السرير، وكانت تخرج الصندوق عشر مرات في اليوم على الأقل، وتعيد تنظيم الصواريخ، وتنظر طويلا إلى النسيج الأحمر الباهت، والساق البيضاء الملفوفة وتتعجب لصنعها، وتشم قطعة الفتيل السميكة التي تأخذها بلا مقابل في كل مرة تشتري فيها الصواريخ.
وهذا الفتيل إذا أشعل يظل يحترق ساعات، ويستخدم لإشعال الصواريخ، وترددت فرانسي في إشعال هذه الصواريخ حين أقبل اليوم العظيم، وكانت تؤثر الحصول عليها على استعمالها، وفي سنة ما اشتدت الحال بالطفلين أكثر من المألوف، ولم يستطيعا الحصول على البنسات، فراح نيلي وفرانسي يكدسان حقائب الورق، وملآها في ذلك اليوم بالماء، وطويا قممها وأغلقاها وأسقطاها من فوق السطح إلى الشارع، فكانت تقرقع قرقعة لها وقع جميل في آذانهما، تكاد تشبه قرقعة الصواريخ.
وكان المارة في الشارع يتضايقون وينظرون إلى أعلى غاضبين، حين يخطئهم كيس منها ويكاد يصيبهم على أم رأسهم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون شيئا مسلمين بأن الأطفال الفقراء تعودوا هذا الاحتفال.
وكانت الإجازة الثالثة هي إجازة عيد جميع القديسين،
صفحة غير معروفة