فصاح رجل الفضاء الأمريكي: يمكن أن نستضيفك عامين، ولكن إذا زرت روسيا تعذر عليك دخول بلادنا.
ونفخ رجل الفراش بصوت مسموع، فسأله ذو البدلة السوداء: ماذا تشكو؟ - أريد كأسا من الويسكي. - تمر بك الأحداث وأنت لاه عنها بشهواتك! - أعطني سلاحا. - تريد أن تسكر وتطلق النار على غير هدى!
وأشار إلى الرجل القصير النحيل إشارة خاصة، فمضى ليتخذ موقفا بين الواقفين. •••
وتحركت الستارة فخرج من ورائها رجل ملفوف في كفن لا يظهر منه إلا رأسه، وقف في وسط الحجرة وقال: أنا المدير العام لمؤسسة م. م. م.
فقال له رجل الفراش: تشرفنا يا فندم. - انتقلت إلى رحمة الله على أثر نوبة قلبية أصابتني وأنا جالس إلى مكتبي. - ليرحمك الله. - الموت أكبر كارثة في الوجود، أكاد أجن كلما تصورت أن العالم سيمضي في طريقه عقب اختفائي كأنني لم أعايشه دقيقة واحدة. - أكنت تتوقع أن يتوقف عن الحياة إكراما لك؟ - هذه هي مأساة الوجود الحقيقية التي تفقده أي معنى من المعاني! - صدقني فإن العالم مثقل بهمومه بحيث يغفر له ألا يشعر بموتك. - ذهبت الحياة بجمالها وسحرها وآمالها! - ليرحمك الله. - ما لقلبك جامدا هكذا، حتى الحيوان يحزن. - حزني للحياة لم يترك في قلبي موضعا للحزن على الموت! - مت وحيدا، وها أنا أحزن وحدي. - لتكن الجنة مثواك. - وأنا والد س وص بالجامعة، وشقيق أ بمؤسسة م. م. م، وعم د بمؤسسة م. م. م، وابن خالة ز بمؤسسة م. م. م، وستشيع الجنازة من مسجد عمر مكرم في تمام الثانية عشرة ظهرا ولا عزاء للسيدات. - سأعزي بتلغراف. - ولم لا تشيع جنازتي بنفسك؟ - إني مريض كما ترى. - تستطيع أن تشيع جنازتي لو بك رغبة في ذلك. - أخشى أن أصاب بنكسة. - أناني لا تفكر إلا في نفسك. - لا وقت عندي للتفكير في نفسي ولا فيمن يموت. - ليت يومك كان قبل يومي. - أنتم السابقون ونحن اللاحقون.
وبدأ الرجل يتحرك ببطء ليتخذ موقفه بين الجماعة. وفي أثناء سيره قال ذو البدلة السوداء: مات رجل من جيل الثورة المضادة.
فقال رجل الفضاء الأمريكي: فقدنا صديقا ذا استعداد طيب للتفاهم.
وقالت الممثلة: نقص رواد السينما رجلا ولا كل الرجال. •••
وتحركت الستارة فخرج من ورائها رجل وجيه بدين، أنيق الملبس رغم ضخامته الفذة، وقف في وسط الحجرة ثم بسط صحيفة وراح يقرأ منها بصوت جهوري: من واجبي، من حقي، أن أقول رأيي كما يجدر بصحفي يحترم نفسه ويحترمه الجميع، وأن أصوغه بالوضوح الكامل لنخترق الظلمات إلى رؤية مضيئة؛ لعلنا نهتدي إلى مرفأ آمن في هذا البحر العاصف الذي تتلاطم أمواجه كجبال من الظلام، سأقول الحق بوضوح مهما كلفني ذلك من جهد ومن تضحية؛ لذلك أقول لكم:
الوعي قضية، تسير مسارها الطبيعي إلى نقيضها وهو اللاوعي، وعلى أثر تقدم مطرد يتكون تركيب جديد من النقيضين هو المرض. بمعنى آخر الوعي + اللاوعي = المرض. إن يكن عصابا فهو مرض نفسي، وإن يكن ذهانا فهو مرض عقلي. ذلك أن كل شيء يخضع في النهاية للديالكتيك. ولا يلبث التركيب الجديد (المرض النفسي أو العقلي) أن يتحول إلى قضية جديدة تبحث بدورها عن نقيضها كما تبحث المراهقة عن عريس، ونقيض المرض هو الصحة النفسية، ثم يجمعها تركيب جديد آخر بحكم حتمية الديالكلتيك، وهذا التركيب الجديد يتكون من المرض والصحة، مرض ديالكتيكي وصحة ديالكتيكية، وهي حال لا هي صحة ولا هي مرض، وإذا ترجمناها إلى لغة فلسفية أمكن أن نطلق عليها «حال وجودية» ... ويغلب عادة أن تكون من نوع الوجود في ذاته، ولكن بتدخل قوى قهرية باغية تتحول إلى نوع آخر هو الوجود لذاته، ويخشى في تلك الحال أن تتحول إلى وضع أجوف أو ما يسمى في الهندسة بالفراغ؛ فراغ مشحون بالقلق السرمدي، ولا علاج لذلك إلا بالمزيد من الديالكتيك. هذه هي حقيقة المسألة بلا حشو ولا إسهاب لا موجب له، شرحتها متوخيا البساطة والوضوح، بلغة شعبية جديرة بمخاطبة شعب عظيم يمر بلا شك بمحنة عصبية، ويتوثب لقهر ما يعترض سبيله من عقبات، مصمما على الصمود والنجاح، ألا هل بلغت؟
صفحة غير معروفة