فقال التابع: دعي الأمر لي يا معلمة! - ربنا يستر. - جهزت الإتاوة؟ - نعم! - وإذا طالب بالراقصة؟ - لن يطالب قبل نهاية السهرة، وله إن شاء أن يقاتل عزرائيل عند ذاك!
وقامت وهي تبسط وجهها، فمضت إلى القهوة هاتفة: يا جمال الرقص يا جماله!
ورمق الشاب التابع بمرارة ثم قال: لشد ما تغيرت!
فقال التابع بوجوم: لا تبالغ يا عزيزي! - جثة ملقاة في الداخل، والعربدة دائرة في الخارج! - لا مفر، للعمل ساعة وللموت ساعة. - إني حزين، بودي أن أفعل شيئا. - حسن، أعد إليها الحياة. - يا لكم من وحوش! - أتذكر كيف كان يلقى بضحايا المظاهرات في القبور بملابسهم حتى لا يشملهم الإحصاء الرسمي؟! - إلى الجحيم بكل شرير وبكل شر! - ما زالت دنيانا أفضل.
فقال الشاب بضيق: عن إذنك، أريد أن أذهب. - كلا. - كلا؟ - المعلمة لا تسمح بذلك. - لتذهب المعلمة إلى الشيطان! - لقد وجدت نفسك في دربنا فلتتم التجربة! - بي غثيان منه. - خذ الأمر ببساطة ولو من أجل خاطري!
وساد الصمت بينهما؛ ولكن صخب العربدة انهال عليهما من الأركان كالصواريخ، ورغم الزياط سمع صوت الشاب وهو يتمتم: يا لها من شابة تعيسة!
فقال التابع ملاطفا: كانت مريضة بالقلب. - لم تنعم بحياة هادئة تناسبها. - ذلك أنه لم يكن من الجائز أن تموت جوعا.
فقال الشاب منفعلا: إني أحتقر برودك.
فقال ضاحكا: إني أحتقر حرارتك! - دعني أذهب. - غير ممكن، إنها تخشى أن تبلغ عن الجثة. - أيعني ذلك أنني سجين؟! - أنت ضيف صديقك القديم. - يجب أن أستيقظ مبكرا، أمامنا يوم جهاد عصيب! - يسرني أن أنقذك من الرصاص الذي يعد الآن لأمثالك. - أنا لا أخشى الموت. - ولكنك تحترمه أكثر مما ينبغي.
رفع رأسه إلى نافذة الحجرة الرهيبة وقال: جثة منسية، بلا أهل ولا أصدقاء ولا رحماء. - لم تعد بحاجة إلى أحد.
صفحة غير معروفة