حجة الوداع
قد زال ما كان بين الرسول وزوجته من الجفاء بسبب حادثة العقد، فعاشا في أنس عميق وراحة حقيقية، كانت السيدة عائشة الأنيس الوحيد لروح الرسول فلم يعتور حبه لها أدني شائبة في وقت من الأوقات، لم تبد سحابة واحدة في سماء سعادتها، منذ السنة السادسة حتى الحادية عشر من الهجرة، لقد وقفت حياتها في سبيل الرسول وبذلت ذات نفسها وذات مالها في طريق الدين وفي سبيل إيصاله إلى درجة الكمال.
أما الإسلام فكان آخذا في الانتشار والشيوع بسرعة مدهشة محيرة للعقول، وكما أن الزهرة الطيبة التي يتعهدها المرء بالتربية في أرض خصبة لا تلبث أن يعبق أريجها العطر مع الريح، كذلك الإسلام كان يذيع ويشيع فيمتد في الممالك والأمصار ويستولي على القلوب فيشتد نفوذا وتشبثا يوما بعد يوم.
كان لأريجه أثر سحري يجذب القلوب ويأسر النفوس، فيكبلها بروابط وثيقة لا ينفصم عراها، فأخذ عدد الأتباع يزداد بسرعة تفوق حد الوصف وخاضوا غمار غزوات عديدة في سبيل تأييد كلمة الله، خرجوا منها ظافرين غانمين تخفق فوق رءوسهم ألوية النصر.
رسخت عقيدة الإسلام في تلك القلوب الصافية وقوي إيمانهم فاندفعوا بقوته إلى الأمام يحطمون ما يعترض سبيلهم من حواجز وموانع.
مكة المكرمة.
ووقفت المدنيات القديمة حيرى أمام هذه العقيدة الجديدة، لا تبدي ولا تعيد، ثم ما لبثت أن طأطأت لها الرأس ومدت لها يد الإخلاص والأمان، كان التيار جارفا فلم يستطع أن يقاومه إلا القليلون.
في مثل هذا العهد الزاهر من الدعوة الإسلامية؛ أي في السنة العاشرة من هجرة الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - أعلن الهادي فخر الكائنات أتباعه أنه سيزور مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فتوافدت القبائل والعشائر من الجهات زرافات ووحدانا على المدينة المنورة، ينتظرون اليوم الموعود، ولأيام قلائل خلون من ذي الحجة خرج الرسول
صلى الله عليه وسلم
إلى الطريق بعد صلاة الظهر ومعه أهل بيته وأصحابه وأربعون ألفا من حجاج المسلمين، فوصل مع هذا الجمع الحاشد إلى مكة المكرمة في اليوم الرابع من ذي الحجة، وبعد أن ابتهل الرسول
صفحة غير معروفة