الفصل الأول
رابعة العدوية
السيدة رابعة العدوية هي أم الخير بنت إسماعيل ومن موالي آل عتيك،
1
مولدها البصرة وإننا وإن كنا لا نعلم تماما تاريخ ميلادها من المراجع التي بين أيدينا، إلا أنه نظرا لوفاتها عام 135
2
ولأنها عاشت نحو ثمانين سنة فإنها تعتبر بحق من ربات الخدور في أوائل العصر الهجري.
أفنت حياتها في العبادة والتقوى وإصلاح النفس وكبح جماح الشهوات، فقد كانت نموذج الكمال في عصرها، آثرت كل تضحية وعاشت فقيرة معوزة لتصل إلى هذه الدرجة العالية، فهي بحق من أعيان عصرها في الإسلام.
كانت تفوق نساء زمانها وتمتاز عليهن لا بالزهد والتقوى فحسب، بل بفضلها وعرفانها، بعلمها وأدبها، حتى رنت إليها الأبصار وتطاولت نحوها الأعناق، كان يتلذذ بصحبتها ويستفيد من معاشرتها أمثال حسن البصري التقي الشهير، وشقيق البلخي الصوفي العظيم، وسفيان الثوري المجتهد الكبير، والملك دينار، حاكم الكرج والشاعر البليغ، كل هؤلاء الأفاضل صاحبوها وجالسوها وحضروا مباحثها في الدين والعلم، فأجلوها وقدروا عقلها وذكاءها، وأعظموا حال زهدها وتقواها.
مات أبواها في مقتبل عمرها فنشأت في وقت استحكمت فيه حلقات الغلاء والقحط في مدينة البصرة، فأوقعها نكد الطالع تحت أسر رجل ظالم مستبد احتبسها عنده مدة ثم باعها إلى رجل آخر بعد أن أذاقها أنواع العسف والعذاب، ولم يكن حالها في هذه الدار الثانية خيرا مما كانت عليه في الأولى، فقد تعذبت كثيرا وقاست شدة مريرة قابلتهما بصدر رحب دون تململ أو تذمر؛ إذ كانت ترى الشكوى مزرية بها.
صفحة غير معروفة