صلى عليك منزل الفرقان
فلم يسمعها إنسان حتى بكى معها، وبعد أن أفاضت دموع العين بما في القلب من نيران الحزن عادت إلى منزلها واجمة مطرقة.
الفصل الثالث
نصب الخلافة
لما قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وارتفعت الضجة عليه، دهش أصحابه دهشة عظيمة، وطاشت أحلامهم، وأفحموا واختلطوا، وصاروا فرقا، وتفرقت أحوالهم، واضطربت أمورهم، فكذب بعضهم بموته وصمت آخرون، فما تكلموا إلا بعد التغير، وخلط آخرون فلاكوا الكلام بغير بيان، وحق لهم ذلك للرزية العظمى، والمصيبة الكبرى التي هي بيضة العصر ويتيمة الدهر ومدى المصائب ومنتهى النوائب.
ولقد سرى هذا الاضطراب النفسي إلى أصحاب الرسول وأنصاره الكرام وزاد في حيرتهم الإشاعات التي راجت عن خلافة أبي بكر، لم يعيبوا على أبي بكر شخصيته وإنما حنقوا لتوليه أمرهم بلا مشورة، ثم سعت رجالات من المهاجرين والأنصار إلى سقيفة بني ساعدة، وهناك بعد جدال وحوار - بسطوا أيديهم إلى أبي بكر يبايعونه وكف علي عن البيعة كرامة لزوجته الزهراء، وانحاز بجانبه بنو هاشم جميعا، وانضم إليهم أبو سفيان بن حرب رأس بني أمية والزبير بن العوام بطل قريش، وحواري رسول الله وأقام علي والزبير بدار فاطمة لا يبرحانها.
1
وقد أدى ذلك إلى سعي عمر بن الخطاب بقبس من النار إلى بيت علي - كرم الله وجهه - ليحرقه، وهناك خرج له الزبير والسيف مصلت بيمينه، يريد أن يصدع به رأس عمر، ثم تحايل عليه عمر ومعه خالد فأخذاه وأخذا من بعده عليا للمبايعة، ولما رأت السيدة فاطمة زوجها يساق قسرا فولولت وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله.
إلا أن عمر كان قد ساق عليا إلى مجلس البيعة حيث أبو بكر، فقام له وقال واعتذر إليه بأن بيعته كانت فجأة وأنه لم يقبلها طمعا فيها، بل حياطة للإسلام ووقاية من شر الفتنة فأجابه الإمام علي والزبير: ما نفسنا عليك ما ساقه الله إليك من فضل وخير، ولكنا نرى أن لنا في هذا الأمر شيئا فاستبددت به دوننا وما ننكر فضلك.
صفحة غير معروفة