جمعا غفيرا من الأنصار، ثم خطبهم خطبة بليغة أثنى فيها على الله ما هو أهله، وذكر فيها فوائد الزواج وختمها بقوله: قد زوجت فاطمة من علي بأمر الله، ثم دعا لهما عقب ذلك بحسن المعاشرة وبالذرية الصالحة، وعندما تم عقد النكاح على هذا الوجه البسيط أحضر الرسول للحاضرين من الأنصار وعاء فيه بعض التمر وقدمه إليهم بقوله: تخاطفوا.
هكذا تم زفاف سيدة النساء وابنة فخر الكائنات بلا ضجيج ولا ضوضاء، ولكنه بالسرور يملأ أرجاء القلوب، بالصفاء الذي يعدل الصفاء يشعر به المرء أيام الأعياد. ما السعادة؟ أليست صفاء القلوب، فإذا كان القلب مغموما كئيبا فما هي قيمة الحياة مهما ازينت وأنيرت وحف بها أسباب الأنس وألوان السرور؟
بعد أن تفرق المدعوون طلب الرسول
صلى الله عليه وسلم
أم سلمى وأمرها بأن تذهب بكريمته إلى دار علي، وبأن تخبرهما أنه آت إليهما عن قريب، فنفذت أمره وسارت بسيدة النساء إلى دار زوجها.
أما الرسول فقد صلى صلاة العشاء ويمم عقب الصلاة دار علي وفي يده قربة من الجلد تستعمل لسقى الماء، وعند وصوله دار صهره قرأ عليها سورة المعوذتين وبعضا من الأدعية وأمرهما بأن يشربا ويتوضآ من الإناء، ثم أخذ قليلا منه ونثره على رأسيهما وعندما أراد مفارقتهما وقد هم بالقيام كانت فاطمة - رضي الله عنها - تبكي فخاطبها بما معناه: «أي بنيتي، قد تركتك وديعة عند رجل إيمانه أقوى من إيمان أي إنسان آخر، وعلمه أكثر من علم الجميع، إنه من أفضل قومنا أخلاقا وأعلاهم نفسا.»
أهدى نفر من الأنصار الكرام سيدة النساء كبشا وبضع كيلات من الذرة بمناسبة هذا الزفاف، وكانت الدار النبوية قد أرسلت إليهما بعضا من التمر والزبيب، فأولما من هذه الأشياء وليمة حسنة.
على هذا الوجه تم عقد الشركة القلبية بين سيدة النساء فاطمة والإمام علي - كرم الله وجهه - فلا يمكن المزيد على هذا النوع من الصفاء والضرب من البساطة، لأن يحب الإنسان ويحب وليصير سعيدا ويسعد من حوله هذه أمور تتوقف على ما يؤسسه المرء من دعامات الحب فوق أسس الإخلاص ليعيش في مأوى محكم يقاوم عواصف الدهر وأزمات الزمان، وتزيده آلام النفس قوة، وتجعله مواسم العمر أزهى وأبهر مما كان.
بمثل هذه المتانة والرزانة أحب علي زوجته سيدة النساء، وببركة الدعاء النبوي كنت ترى إشراق الشمس وألوان السماء الصافية ونشوة الشباب وما إلى ذلك من المعنويات مجتمعة في دار علي تقطع مراحل العمر مع ذينك القلبين الطاهرين وتغمرهما بأنوارها الزاهية.
كل يوم من هذه الأيام السعيدة في سلسلة العمر البشري تلك التي تمر بين أنوار السرور وأضواء الابتسامات، ألا تكون كالجواهر النفيسة قيمة بمقدار ما يكون نصيبها من تأثر وانسياق ؟! فالأوقات المملوءة بالمحبة هي أوقات الياقوت، وأيام الأمل تشابه الزمرد، والأزمان التي تمضي بالصداقة تحاكي الفيروز، والأعمار التي تنقضي بالوئام والاتحاد تكون كاللآلئ، فهذه الأوقات النفيسة كم هي جديرة بالاهتمام والعناية! هذه النفائس بعد أن يمضي وقتها وبعد أن تتزين بها النحور يجب أن تصان في محافظ قيمة، يجب أن يعنى بشأنها؛ لئلا يصيبها أذى أو يعتورها فساد أو يلحقها غبار ينقص ويقلل من شأنها، فإذا ما انقضى ربيع الحياة ومضت أنوار العمر وذبلت أزهار السرور والبسمات فإن إخراج هذه النفائس من مكامنها للتملي بمشاهدتها وإعادة الذكريات الحلوة برؤياها وتجريد خواطر الصبا بواسطتها، سعادة يا لها من سعادة!
صفحة غير معروفة