لم تعمر السيدة فاطمة - رضي الله عنها - طويلا، بل كان عمرها قصيرا كحياة الزهور التي تزهر وتذبل في ربيع العمر، إلا أننا ما زلنا نرى حتى اليوم ثمار هذه الزهور النادرة، وما زال أريجها الفياح يعطر عصور الإسلام جيلا بعد جيل، فهي إذن دوحة نامية خالدة ذات غصون وفروع ما دام الملوان.
لسيدة النساء صفحة في التاريخ نزيهة نقية لا تقع العين منها على ضجيج الحوادث وجلبة الوقائع، ولكن في سلسلة أيامها النقية الصافية ما يجذبنا جذبا شديدا؛ لأن هذا الصفاء الدال على الشخصية العالية من الدواعي الكبيرة لجذب القلوب ولفت الأنظار.
أمنا السيدة فاطمة - رضي الله عنها - ناصية مشرقة من أطهر النواصي وأنقاها وألطفها وأشدها إحساسا في الإسلام، ولصفاء روحها الظاهر على وجهها المبارك الطاهر سميت بالزهراء، لا أدري كيف أجيل القلم في تسطير سيرتها العبقة دون التعرض لسيرة والدها الرسول فخر الكائنات، حياة كليهما متصلة ببعض اتصالا شديدا متماسكا، فإذا عبرت عن نفسية أحدهما لا أستطيع تجاوزا عن نفسية الآخر.
ومما يؤسف له أن مؤرخي الإسلام لم يتسع الوقت لأحدهم ليسردوا لنا سيرة كاملة لهذه الكريمة، أقول ذلك وقد شعرت أثناء كتابتي عنها حاجتي إلى الرجوع إلى ما يزيد عن عشرة كتب من أمهات التاريخ، وليتني استطعت أن أخرج من معلوماتي المقتطفة منها بما يروي الغليل، بل وقفت جهودي عند حد تكوين سيرة مختصرة فحسب، أحوال بطلاتنا وشهيراتنا محاطة على الدوام بالغموض والإبهام، فإن الأقدمين كانوا يعتبرون هذه من المسائل التي لا يجوز إذاعتها كما هو ظاهر من كتبهم، إننا لنعلم أسماء سيدات عديدات لهن ذكر عاطر وشهرة فائقة، فإذا حاولنا أن نحيط بأحوالهن إحاطة تامة وأن ندرك دقائق سيرهن إدراكا كاملا كلفنا أنفسنا ما لا نستطيع وحملناها مشقة كبيرة في هذا السبيل.
أقول مستسمحا سيدات اليوم: إنه كان لشهيرات الأمس عقلية رصينة وغاية ثابتة في الحياة، ومع ذلك فقد ظلت ألوان المساعي التي بذلتها مخفية وراء ستور الإهمال.
نحن - المسلمين - قصرنا سعينا للحال ندأب من أجله فحسب، أما الاقتداء بالسلف وأن نكون قدوة صالحة للخلف فهذا أمر لا يخطر على بالنا ولا نفكر في شأنه، وقد كان من أمر اهتمامنا بالحال أن وصلنا إلى ما نحن فيه من سوء المآل ... إننا لا نفكر في ماضينا ولا نعمل لمستقبلنا، فنحن كتلة بشرية يعوزها الرحمة والإرشاد.
أزيد هنا من قبيل الاستطراد أن لدينا من الآثار العتيقة الشيء الكثير، ولكنها صغيرة كانت أم كبيرة فهي مشتتة مبعثرة أيان كان موطنها، حتى إنه لا يوجد بين أيدينا دليل صادق يرشدنا إليها ويدلنا على مفاخر أجدادنا، وهكذا التاريخ الإسلامي بين دفتيه شخصيات عالية نفخر كثيرا بوجودها ولكننا لا نعرف سوى أسمائها، أما دقائق حياتها وتفاصيل شئونها فإنها مبهمة غامضة لا يمكن الوصول إليها حتى اليوم، فلو أننا عنينا بوضع تلك الشخصيات النادرة في معرض ذكريات الماضي لما أصبحنا غرباء عن عالمنا الإسلامي، ولما كان مثلنا مثل السائح الغريب المفتقر إلى من يرشده وهو في بلاده. •••
ولدت فاطمة الزهراء، ابنة الرسول
صلى الله عليه وسلم
من خديجة الكبرى - رضي الله عنها - وقريش تبني الكعبة بمكة المكرمة والنبي - صلوات الله عليه - ابن خمس وثلاثين ؛ أي قبل هجرته المباركة بسبعة عشر عاما وكانت أصغر بناته وأحبهن إليه.
صفحة غير معروفة