وقرأ في عينيه نظرة ناقدة لا تخلو من خبث، فسأله: هل هنت على بثينة لهذا الحد؟ - أنت تعلم أنها مثالية وذات كبرياء، ولكنها في الأعماق تعبدك. - ألم أوحشها الغادرة؟ - ستراك يوما، ولكن بالله حدثني عن حبك.
فقال مقطبا في تحد: كأقوى ما يكون. - تصريح سياسي؟ - أنت منافق، ولا حق لك في الاطلاع على أسرار القلوب.
ضحك مصطفى طويلا، وقال: دعني أصفه لك كما أتخيله، الكلام اللذيذ نضب، المداعبات اختصرت، والشراب يكثر بلا حيطة. - مت بغيظك.
يا للرعب! وردة محبة صادقة، وجميلة. يا إلهي! ما العمل لحماية النشوة من النعاس؟ أو لبعث الشعر الذي مات؟ يا أصيل الشتاء المعتم.
وسهرا ليلة في ملهى باريس الجديدة، ودون أي توقع ظهرت فوق المسرح مارجريت، تلقى ضربة من الماضي بلا حذر، ولكنه ضبط أعصابه بقوة، وغنت:
كلما رأيتك كثيرا ازددت شهوة
وكلما ازدادت شهوتي زاد لهيبي
وهمست وردة: يا لها من حكمة!
ولكن نظرة واحدة تتبادل بينك وبين مارجريت خليقة بأن تقرأ وردة فيها كتابا، وأعلن عن رغبته في الذهاب فذهبا، وتسكعا بالسيارة في ليل بارد وطرقات مقفرة. لا داعي للانفعال ولا معنى له. لكن عودتها المباغتة شجعت الملل المتردد على الاستفحال، وستقف على حافة الهاوية مرة أخرى، وعند اليأس تنطلق القوى المدمرة.
ومن مكتبه قال لوردة بالتليفون إنه مدعو لحفل تكريم زميل اختير مستشارا، وذهب إلى باريس الجديدة. ومضت مارجريت تغني وهو ينتظر. ماذا جاء بي؟ وبهذه السرعة؟ وعم أبحث؟ هل انتهت وردة حقا؟
صفحة غير معروفة