* قال الشوكاني (ت1250ه): الامام الكبير، صاحب التصانيف، وأجاز له أكابر علماء عصره من سائر الأمصار، وبرز فى جميع الفنون، وفاق الأقران، واشتهر ذكره وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة، وتصانيفه فى كل فن من الفنون مقبولة، قد سارت فى الأقطار مسير النهار، ولكنه لم يسلم من حاسد لفضله وجاحد لمناقبه؛ فإن السخاوى في الضوء اللامع وهو من أقرانه ترجمه ترجمة مظلمة غالبها ثلب فظيع، وسب شنيع، وانتقاص وغمط لمناقبه تصريحا وتلويحا، ولا جرم فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه، وقد تنافس هو وصاحب الترجمة منافسة أوجبت تأليف صاحب الترجمة لرسالة سماها: ((الكاوى لدماغ السخاوى)) فليعرف المطلع على ترجمة هذا الفاضل فى الضوء اللامع أنها صدرت من خصم له غير مقبول عليه، ولا يخفى على المنصف ما فيه من التحامل على هذا الإمام، وعلى كل حال! فهو غير مقبول عليه لما عرفت من قول أئمة الجرح والتعديل بعدم قبول الأقران فى بعضهم بعضا، مع ظهور أدنى منافسة، فكيف بمثل المنافسة بين هذين الرجلين التى أفضت إلى تأليف بعضهم فى بعض، فإن أقل من هذا يوجب عدم القبول والسخاوى رحمه الله وإن كان إماما غير مدفوع، لكنه كثير التحامل على أكابر أقرانه، كما يعرف ذلك من طالع كتابه الضوء اللامع فإنه لا يقيم لهم وزنا، بل لا يسلم غالبهم من الحط منه عليه، وإنما يعظم شيوخه وتلامذته، ومن لم يعرفه ممن مات فى أول القرن التاسع قبل موته، أو من كان من غير مصره، أو يرجو خيره، أو يخاف شره، وما أحسن ماذكره في كتابة الضوء اللامع فى ترجمة عبد الباسط بن يحيى شرف الدين فإنه قال: وربما صرح بالإنكار على الفقهاء فيما يسلكونه من تنقيص بعضهم لبعض. وأما ما نقله من أقوال ما ذكره من العلماء مما يؤذن بالحط على صاحب الترجمة فسبب ذلك دعواه الاجتهاد كما صرح به، ومازال هذا دأب الناس مع من بلغ إلى تلك الرتبة، ولكن قد عرفناك فى ترجمة ابن تيمية أنها جرت عادة الله سبحانه كما يدل عليه الاستقراء برفع شأن من عودي؛ لسبب علمه وتصريحه بالحق، وانتشار محاسنه بعد موته، وارتفاع ذكره، وانتفاع الناس بعلمه، وهكذا كان أمر صاحب الترجمة، فإن مؤلفاته انتشرت فى الأقطار وسارت بها الركبان إلى الأنجاد والأغوار، ورفع الله له من الذكر الحسن والثناء الجميل مالم يكن لأحد من معاصريه، والعاقبة للمتقين، وجاوز الله عنهما جميعا وعنا بفضله وكرمه. (¬1)
صفحة ٢٥