الشَّاَفِي فيْ شَرْح مُسْنَد الشَّافِعي
لابْنِ الأثِيرْ
مَجْد الدِّين أبي السَّعادَاتْ: المبارَكْ بْن محمَّد بْن عَبْد الكريم الجزْريْ
تحقِيقْ
أحمَدْ بْن سُليمان
أبْي تميْم يَاسر بْن إبْرَاهيْم
الجزْء الأوّلْ
مَكتَبةَ الرُّشْدِ
نَاشِروُنْ
_________
قال معد الكتاب للشاملة:
تنبيه:
وقع في ترقيم حواشي هذه الطبعة تغيير وتبديل، ولعله من الطباعة، وقد قمنا بتعديله قدر الإمكان، وذلك بمراجعة المصادر المعزو إليها.
1 / 1
جميْع الحقوقْ محفوظة
الطَّبْعَةُ الأولي
١٤٢٦هـ - ٢٠٠٥مـ
مَكتَبةَ الرُّشْدِ
نَاشِرُونْ
المملكة العربية السعودية - الرياض
شارع الأمير عبد الله بن عبد الرحمن (طريق الحجاز)
ص. ب ١٧٥٢٢ الرياض ١١٤٩٤ هاتف ٤٥٩٣٤٥١ فاكس ٤٥٧٢٣٨١
EMAIL:[email protected]
WEBSITE:WWW.RUSHD.COM
* فرع طريق الملك فهد: الرياض - هاتف ٢٠٥١٥٠٠ فاكس ٢٠٥٢٣٠١.
* فرع مكة المكرمة: هاتف ٥٥٨٥٤٠١ فاكس ٥٥٨٣٥٠٦.
* فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري - هاتف ٨٣٤٠٦٠٠ فاكس ٨٣٨٣٤٢٧.
* فرع جدة: ميدان الطائرة - هاتف ٦٧٧٦٣٣١ فاكس ٦٧٧٦٣٥٤.
* فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة - هاتف ٣٢٤٢٢١٤ فاكس ٣٢٤١٣٥٨.
* فرع أبها: شارع الملك فيصل - تلفاكس ٢٣١٧٣٠٧.
* فرع الدمام: شارع الخزان - هاتف ٨١٥٠٥٦٦ فاكس ٨٤١٨٤٧٣.
وكلاؤنا في الخارج
القاهرة: مكتبة الرشد - ت ٢٧٤٤٦٠٥.
بيروت: دار ابن حزم هانف ٧٠١٩٧٤.
المغرب: الدار البيضاء - وراقة التوفيق - هاتف ٣٠٣١٦٢ فاكس ٣٠٣١٦٧.
اليمن: صنعاء - دار الآثار - هاتف ٦٠٣٧٥٦.
الأردن: عمان - الدار الأثرية ٦٥٨٤٠٩٢.
البحرين: مكتبة الغرباء - هاتف ٩٥٧٨٣٣ - ٩٤٥٧٣٣.
الإمارات: مكتبة دبي للتوزيع هاتف ٤٣٣٣٩٩٩٨ فاكس ٤٣٣٣٧٨٠٠.
سوريا: دار البشائر ٢٣١٦٦٦٨.
قطر: مكتبة ابن القيم - هاتف ٤٨٦٣٥٣٣.
1 / 2
مقدمة
إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]،
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فهذا كنز مدفون، وسفر مكنون، وشرح مصون، للشيخ الهمام البارع: مجد الدين أبي السعادات ابن الأثير ذي الفنون، أذن اللَّه أن يرى الضياء، وينال الثناء ويتوج بن شروح العلماء.
بذل فيه مصنفه الجهد الجهيد، وجمع فيه ما يرضي كل طالب مُجيد، وأوعى فيه زبدة شروح المسانيد، فأضحى نبراسًا لمن أراد أن يستفيد.
شرفنا اللَّه فاستخرجناه بعد حبس مديد. وهاهو في ثوب يثلج صدور المؤمنين، ويروي غليل المتعلمين بضبط أصله، وتقريب رسمه، وتنقيح قوله،
1 / 5
ووضع رقمه وإيضاح لبسه، ورفع مشكله، وييان مهمله ... عسى أن ينال قبولًا عند أهله، وإلا فلا أقل من دعوة صالحة أو نصيحة غير فاضحة.
فما كان قصدنا إلا رضى ربنا فهو الذي يعلم ما في نفوسنا، وما يدور في قلوبنا، وما يخطه أقلامنا به قلمي.
وهو وحده أسأل أن يسدد مقالتنا، ويقيل عثرتنا، ويغفر زلتنا، فما كان من توفيق فمنه سبحانه، وما كان من خطأ فمنا ومن عدونا.
وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
كتبه
أحمد بن سليمان
وأبو تميم ياسر بن إبراهيم
مساء الخامس عشر من صفر
لعام ألف وأربعمائة وعشرين
من هجرة المصطفى ﷺ
1 / 6
ترجمة المؤلف
هو العلامة البارع البليغ مجد الدين أبو السعادات: المبارك بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري المشهور بابن الأثير.
والأثير هو أبوه محمد بن محمد بن عبد الكريم قال الحافظ ابن حجر (١) عن أبيه أثير الدين: والد الفضلاء:
صاحب النهاية -وهو صاحبنا هذا- وصاحب أسد الغابة، ويقصد عز الدين أبا الحسن علي بن محمد -وصاحب المثل السائر -وهو ضياء الدين أبو الفتح نصر اللَّه بن محمد-
مولده ونشأته:
ولد بجزيرة ابن عمر (٢) في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمس مائة، ونشأ به، ثم تحول إلى الموصل في سنة خمس وستين وخمسمائة، ثم عاد إلى الجزيرة.
ثم عاد إلى الموصل، وتنقل في الولايات بها، واتصل بخدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد اللَّه الخادم الزيني، إلى أن توفي مخدومه، فكتب الإنشاء لصاحب الموصل عز الدين مسعود الأتابكي، وولى ديوان الإنشاء، وعظم قدره.
قال ابن الشعار: كان كاتب الإنشاء لدولة صاحب الموصل نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، وكان حاسبًا كاتبًا ذكيًّا.
ومن جميل ما يحكى عنه ما قاله ياقوت الحموي (٣):
وحدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين
_________
(١) نزهة الألباب (١/ ٥٧).
(٢) مدينة فوق الموصل على دجلتها، سميت جزيرة لأن دجلة محيطة بها، أنظر وفيات الأعيان (٤/ ٨).
(٣) معجم الأدباء (٥/ ٥٠ - ٥١).
1 / 7
المغازي بن مودود بن زنكي، ثم ولاه ديوان الجزيرة وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل فناب في الديوان عن الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني، ثم أتصل بمجاهد الدين قايماز بالموصل أيضًا فنال عنده درجة رفيعة، فلما قبض على مجاهد الدين اتصل بخدمة أتابك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين فأتصل بخدمة نور الدين أرسلان شاه، فصار واحد دولته حقيقة، بحيث إن السلطان كان يقصد منزله في مهام نفسه؛ لأنه أقُعد في آخر زمانه، فكانت الحركة تصعب عليه، فكان يجيئه بنفسه، أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤ الذي هو اليوم أمير الموصل.
وحدثني أخوه المذكور قال: حدثني أخي أبو السعادات قال: لقد ألزمني نور الدين بالوزارة غير مرةٍ وأنا أستعفيه حتى غضب مني وأمر بالتوكيل بي قال: فجعلت أبكي، فبلغه ذلك فجاءني وأنا على تلك الحال فقال لي: أَبَلَغَ الأمر إلى هذا؟ ما علمت أن رجلًا ممن خلق اللَّه يكره ما كرهت، فقلت: أنا يا مولانا رجل كبير، وقد خدمت العلم عمري، واشتهر ذلك عني في البلاد بأسرها، وأعلم أنني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أؤدي حقه، ولو ظلم أكار في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إلى، ورجعت أنت وغيرك باللائمة علي، والملك لا يستقيم إلا بالتسمح في العسف، وأخذ هذا الخلق بالشدة وأنا لا أقدر على ذلك، فأعفاه، وجاءنا إلى دارنا فَخَبَّرَنَا بالحال، فأما والده وأخوه فلاماه على الامتناع فلم يؤثر الكلوم عنده أسفا.
ذكر مشايخه وطلبه للعلم
تحدث ابن الأثير عن نفسه في ذلك فقال (٢):
مازلت في ريعان الشباب وحداثة السنن، مشغوفًا بطلب العلم، ومجالسة أهله، والتشبُّه بهم حسَبَ الإمكان، وذلك من فضل اللَّه علي، ولطفه بي أن
_________
(١) هو الحراث. [قال معد الكتاب للشاملة: هذه الحاشية لا أدري مكانها في كلام المحقق.]
(٢) كما في مقدمة كتابه "جامع الأصول" (١/ ٣٥).
1 / 8
حببه إلي، فبدلت الوسع في تحصيل ما وفقت له من أنواعه، حتى صارت في قوة الاطلاع على خفاياه، وإدراك خباياه، ولم آل جهدًا -واللَّه الموفق- في إجمال الطلب، وابتغاء الأرب، إلى أن تَشبثت من كل بطرف تشبهت فيه بأضرابي، ولا أقول: تميزت به على أترابي، واللَّه الحمد على ما أنعم به من فضله، وأجزل من طوله، وإليه المفزع في الإسعاد بالزلفى يوم المعاد، والأمن من الفزع الأكبر يوم التناد، وأن يوزعني شكر ما منحنيه من الهداية، وجنبنيه من الغواية، وآتانيه من نعمة الفهم والدراية، منذ المنشأ والبداية.
قال الإِمام الذهبي في السير (١):
روى الكتب نازلًا فأسند صحيح البخاري عن ابن سرايا عن أبي الوقت، وصحيح مسلم عن أبي ياسر بن أبي حبة عن إسماعيل ابن السمرقندي، عن التنكتي، عن أبي الحسن عبد الغفار، ثم عن ابن سكينة إجازة عن الفروي والموطأ عن ابن سعدون، وسنن أبي داود والترمذي بسماعة من ابن سكينة، وسنن النسائي أخبرنا يعش بن صدقة عن ابن محمويه.
وقد تتلمذ على طائفة من المشايخ في كافة علوم الشريعة، فأخذ عن أبي محمد سعيد بن المبارك بن علي بن الدهان البغدادي النحو، وأبي الحرم مكي بن ريان بن شبة بن صالح الماكسيني الأدب والنحو، وكذلك من أبي بكر يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي القرطبي، وأبي الفضل عبد اللَّه بن أحمد الخطيب وغيرها.
وسمع ببغداد من أبي القاسم يعش بن صدقة الفراتي، وأبي الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي وغيرهم.
عقيدته:
مع أن الإمام الشافعي ﵀ كان سلفَّي الاعتقاد على منهج أهل
_________
(١) سير أعلام النبلاء (٢١/ ٤٨٩).
1 / 9
السنه والجماعة، إلا أن متأخري الشافعية أكثرهم على منهج الأشاعرة، وقد تبني المصنف هذا المعتقد ودافع عنه في كتابه.
ومن أخطر مسائل الاعتقاد التي خالف فيها الأشاعرةُ أهل السنة والجماعة:
قضية الأسماء والصفات.
وأمهات المسائل التي خالف فيها متأخروا المتكلمين ممن ينتحل مذهب الأشعري لأهل الحديث ثلاث مسائل:
١ - وصف اللَّه بالعلو على العرش.
٢ - ومسألة القرآن.
٣ - ومسألة تأويل الصفات.
ومن القضايا التي أثارها المصنف في كتابه مسألتي العرش وتأويل الصفات، ففي مسألة العرش قال:
وأما الاستواء على العرش فالمسلون فيه مختلفون، والذي ذهب إليه أهل السنة والجماعة فيه مذهبان.
أحدهما: أنهم أجروا هذه اللفظة على ظاهرها مجرى غيرها من آيات الصفات وأحاديثها، فلا يأولونها، وقالوا: الاستواء صفة من جملة صفات اللَّه ﷿ لا يُعلم ما هو وينفي عنه التشبيه والاستقرار الذي هو من صفات الإسلام، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، هذا مذهب كثير من صالحي
السلف وأكثر المحدثين رحمة اللَّه عليهم، أَمُّروا الآيات والأحاديث على ظاهرها؛ هربًا من الوقوع فيما لا يعلمون عاقبته ولا يتحققون معيته وسلوكًا في طريق السلامة من الزيغ والزلل، وهذا وإن كان طريقًا صالحة ومحجة سالمة فإن راكبها يدَّرع من التضرر جلبابًا، ويستمطر من التقليد سحابًا، قانعًا بالوقوف عند أصحاب اليمين، راضيًا بالتأخر عن مقامات السابقين، ولعمري قد قال فضلًا وحاز من التوفيق حظًّا.
وأما المذهب الثاني وهو الذي صار إليه المحققون من أهل الإيمان الفائزون
1 / 10
بالرضوان فإنهم اعتبروا الآيات والأخبار الواردة، فما جاز إطلاق ظاهره على اللَّه ﷿ وما دلت عليه أوضاع اللغة العربية أجروه بظاهره ولا يحتاجون فيه إلى تأويل لاستمراره في منهج الصحة والصدق.
وما لم يجز إطلاق ظاهره على اللَّه ﷿ لقيام الدليل على استحالة إطلاق ظاهره عليه أولوه تأويلًا تقتضيه اللغة العربية وقد أطردت العادة بمثله؛ فرارًا من إطلاق ظاهره عليه مالا يجوز إطلاقه على اللَّه ﷿، فقالوا في الاستواء: أنه بمعنى الاستيلاء والقدرة عليه وقد أطلق أهل اللغة الاستواء بهذا المعنى في غير الآية، وإنما خص الاستيلاء بالعرش لأن العرش أعظم الموجودات وهو محيط بالكرسي الذي وسع السموات والأرض، وإذا أضاف الاستيلاء إلى أعظم موجوداته كان مادونه أولى بالاستيلاء.
هذا قاله الراسخون في العلم الذين أخبر اللَّه ﷿ عنهم أنهم هم الذين يعلمون تأويل كتابه فقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ٧].
وأما ما ذهب إليه طوائف المشبهة والمجسمة في أمثال هذه الآيات والأخبار من التشبيه والتجسيم حتى قالوا: إن الاستواء على العرش هو القعود عليه والاستقرار كما تستقر الأجسام بعضها على بعض فاللَّه ﷾ منزه عن هذه الأقوال المفتراه والآراء الفاسدة التي تفضي بقائلها إلى سواء الجحيم، نسأل اللَّه العصمة والتوفيق في القول والعمل، وأن يهدينا سواء السبيل.
وهذا الذي قاله ابن الأثير ﵀ وأثنى به على قائله خلاف ما ذهب إليه المحققون من أهل السنة والجماعة.
قال ابن خزيمة في التوحيد (١/ ٢٣٣).
﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]. وقال ربنا ﷿: ﴿إِنَّ
1 / 11
رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [يونس: ٣] وقال في تنزيل السجدة: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [السجدة: ٢].
وقال اللَّه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧].
فنحن نؤمن بخبر اللَّه -جل وعلا-: أن خالقنا مستوٍ على عرشه، لا نبدل كلام اللَّه، ولا نقول قولًا غير الذي قيل لنا، كما قالت المعطلة الجهمية: إنه استولى على عرشه، لا استوى، فبدلوا قولًا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود لمَّا أمروا أن يقولوا: حطة فقالوا: حنطة، مخالفين لأمر اللَّه -جل وعلا- كذلك الجهمية. أهـ.
ورحم اللَّه الإمام مالك عندما قال مقولته الشهيرة عندما سئل عن قوله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ كيف أستوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
والكلام يطول في ذلك، ومن رام المزيد فعليه بكتب الاعتقاد، وعلى الخصوص "مختصر العلو" للذهبي، "ومجموع الفتاوى لشيخ الإِسلام"، "والعقيدة الطحاوية" (١/ ٢٨٠) وما بعده.
وفي مسألة تأويل الصفات:
قال المصنف على صفة اليد في المجلد الأول (ق٦٤ - ب):
اليد يراد بها القدرة والاستيلاء والحكم، وهذا تمثيل، والتقدير: أن الخير في حكمك وتحت أمرك. أ. هـ.
وفي موضع آخر من كتاب الزكاة في المجلد الثالث (ق٥٦ - ب): ويد الرحمن لا يجوز حملها على ظاهرها، فإن لفظ اليد موضوع بإزاء الجارحة المخصوصة، ويتعال ويتقدس عن التشبيه والتجسيم علوًّا كبيرًا، فإنما يريد بيد الرحمن هاهنا: لطفه ورأفته. أ. هـ.
1 / 12
وقد نأى المصنف بقولته تلك عن منهج أهل السنة والجماعة، وسلك مسلك المتكلمين والمعطلين وجنح عن الصراط البيِّن القويم، والأصل في هذا الباب أن يوصف اللَّه تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفيًا وإثباتًا، فيثبت للَّه ما أثبته لنفسه، وينفى عنه ما نفاه عن نفسه، وقد عُلم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها؛ إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف
ولا تعطيل وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه -مع ما أثبته من الصفات- من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته (١).
وقد تعقب شيخ الإسلام هذه الأصول الثلاثة التي شغب بها الأشاعرة وأبطلها، فقال في جملة ذلك: مذهب أهل الحديث - وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف-: أن هذه الأحاديث تُمَرُّ كما جاءت، ويؤمن بها، تصدق، وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل.
وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف -منهم الخطابي-: مذهب السلف: أنها تجرى على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها.
وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى حذوه ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية فنقول: إن له يدًا وسمعًا، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ومعنى السمع العلم.
ثناء العلماء عليه:
قال أخوه عز الدين أبو الحسن صاحب الكامل (٢).
كان عالمًا في عدة علوم مبَّرزًا فيها، منها الفقه والأصولان والنحو والحديث واللغة، وله تصانيف مشهورة في التفسير والحديث والنحو والحساب وغريب الحديث، وله رسائل مدونة، وكان كاتبًا مفلقًا يضرب به المثل، ذا دين متين،
_________
(١) انظر التدميرية ص ٧.
(٢) الكامل في التاريخ (١٢/ ٢٨٨).
1 / 13
ولزوم طريق مستقيم ﵀ ورضي عنه- فلقد كان من محاسن الزمان ولعل من يقف على ما ذكرته يتهمني في قولي، ومن عرفه من أهل عصرنا يعلم أني مقصر.
وقال ابن خلكان (١): قال أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ "إربل" في حقه: أشهر العلماء ذكرًا، وأكبر النبلاء قدرًا، وأحد الأفاضل المشار إليهم، وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم، وله المصنفات البديعة والرسائل الوسيعة.
وقال ياقوت الحموي (٢):
كان عالمًا فاضلًا وسيِّدًا كاملًا، قد جمع بين علم العربية والقرآن، والنحو واللغة والحديث وشيوخه وصحته وسُقمه والفقه، وكان شافعيًّا، وصنف في كل ذلك تصانيف.
وقال الذهبي (٣): القاضي الرئيس العلامة البارع الأوحد البليغ مجد الدين.
مصنفاته:
١ - الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف.
في تفسير القرآن الكريم أخذه من تفسير الثعلبي والزمخشري، ذكره ابن خلكان، والذهبي، وياقوت -وقال: في أربع مجلدات- والمنذري، والسبكي، وابن كثير.
٢ - الباهر في الفروق.
وهو في النحو، وذكره ياقوت.
٣ - البديع في النحو، أو البديع في شرح فصول ابن الدهان، أو: البديع في شرح مقدمة ابن الدهان.
قال ياقوت: نحو الأربعين كراسة، وقفني عليه فوجدته بديعًا كاسمه، سلك فيه مسلكًا غريبًا، وبوَّبه تبويبًا عجيبًا.
_________
(١) وفيات الأعيان (٤/ ٧).
(٢) معجم الأدباء (٥/ ٤٩).
(٣) سير أعلام النبلاء (٢١/ ٤٨٨).
1 / 14
وباسمه الثاني ذكره السبكي.
وباسمه الثالث ذكره الذهبي.
وتوجد منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت فن بلاغة رقم (٦١٥).
٤ - البنين والبنات والآباء والأمهات من رجال الحديث، ذكره حاجي خليفة في كشف الظون (٦/ ٢).
٥ - تجريد أسماء الصحابة.
ذكره الزركلي في الإعلام.
٦ - تهذيب فصول ابن الدهان.
ذكره ياقوت:
٧ - جامع الأصول في أحاديث الرسول.
وهو من أعظم ما صنفه ولو لم يصنف غيره لكان كافيًا لبيان فضله، قال عنه ياقوت:
جمع فيه بين البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود وسنن النسائي والترمذي، عَمِلَه على حروف المعجم، وشرح غريب الأحاديث ومعانيها وأحكامها ووصف رجالها ونبه على جميع ما يحتاج إليه منها.، أقطع قطعًا أنه لم يصنَّف مِثْلُه قط ولايُصَنَّف أهـ.
والكتاب مطبوع بحمد اللَّه ومتداول.
٨ - الجواهر واللآلي من إملاء المولى الوزير الجلالي.
ذكره حاجي خليفة.
٩ - جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد.
توجد منه نسخة في دار الكتب تقع في مجلدين تحت (حديث م عربي ٥١) وعدد أوراقه ٧٨٨.
١٠ - ديوان رسائل.
ذكره ياقوت، والذهبي، وابن خلكان، وفي دار الكتب نسخة بعنوان
1 / 15
رسائل ابن الأثير تحت فمن (أدب ٢٠٤٠) وعدد أوراقه ١٧٦، ومعه نسخة أخرى.
١١ - رسائل في الحساب مجدولات.
ذكره ياقوت.
١٢ - الشافي شرح مسند الشافعي.
وهو كتابنا هذا، وقد ذكره كل من ترجم له:
الذهبي، وياقوت وقال: أبدع في تصنيفه، فذكر أحكامه ولغته ونحوه ومعانيه، نحو مائة كراسة.
وابن خلكان، والسبكي، وحاجي خليفة، وابن العماد وابن كثير، وغيرهم.
١٣ - الأذواء والذوات.
ذكره الذهبي في "السير" والسبكي في "الطبقات"، وياقوت، وقال: مجلد.
١٤ - شرح غريب الطوال.
ذكره السبكي في "الطبقات"، والذهبي في "السير" وذكره الزركلي باسم "منال الطالب في شرح طوال الغرائب" وقال: في مجلد جمع فيه من الأحاديث الطوال والأوساط ما أكثر ألفاظه غريب، وصنفه بعد إنتهائه من كتابه "النهاية" رأيت نسخة منه متقنة جدًّا بخط ابن أخيه حمد بن نصر اللَّه سنة ٦٠٦ في خزانة الرباط (١٨٢ أوقاف).
١٥ - شرح كلمات لغوية مرتبة على حروف المعجم.
توجد منه نسخة بدار الكتب تحت فن (لغة تيمور برقم ٢١).
١٦ - الفروق والأبنية.
ذكره الذهبي، والسبكي.
1 / 16
١٧ - كتاب صنعه الكتابة.
ذكره ابن العماد، وابن خلكان، وحاجي خليفة.
١٨ - المختار في مناقب الأخيار.
ذكره ياقوت وقال: أربع مجلدات، ومنه نسخة بليدن وأخرى باستانبول كما ذُكر في مقدمة كتاب النهاية.
١٩ - المرصع في اللغة:
ذكره حاجي خليفة، وفي "الإعلام" للزركلي وضع صورة من مخطوط المرصع وعلى ترة اللوحة قال: كتاب المرصع في الآباء والأمهات والأبناء والبنات والأذواء والذوات.
ونقل الزركلي أنه في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد رقم ٥٦٦٠ أ. هـ.
فهل المرصع في اللغة والبنين والبنات .....، والأذواء والذوات مما تقدم ذكره
كتاب واحد؟ يحتاج إلى تحقيق، ففي دار الكتب المصرية نسخة وتسميتها "المرصع في الآباء والأمهات والأبناء والبنات والأذواء والذوات في اللغة تحت فن (مخطوطات الزكية)، (١٨٨) وأيضًا في (لغة / تيمور)، (١٨٧).
٢٠ - المصطفى المختار في الأدعية والأذكار، ذكره الذهبي، وابن خلكان، والسبكي.
٢١ - النهاية في غريب الحديث.
وهو من أشهر ما صنف، وذكره المنذري، وياقوت، وابن خلكان وغيرهم.
٢٢ - نهاية الأثيرية في اللغات الحديثية، ذكره حاجي خليفة.
وفاته:
عاش ابن الأثير ثلاثًا وستين سنة، ولازمه المرض حياته، وكان به نقرس، فكان يحمل في محفَّة، ولما عرض له المرض كف يديه ورجليه، فمنعه من الكتابة مطلقًا، وأقام في داره يغشاه الأكابر والعلماء، وأنشأ رباطًا بقرية من قرى الموصل، ووقف أملاكه عليه وعلى داره التي كان يسكنها بالموصل.
1 / 17
قال ابن خلكان: وبلغني أنه صنف هذه الكتب كلها في مدة العطلة فإنه تفرغ لها، وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة أ. هـ.
ومما يدل على نبل الإمام الهمام وزهده في الدنيا وإقباله على الآخرة ما حكاه أخوه عز الدين أبو الحسن:
أنه لما أُقعِدَ جاءهم رجل مغربي، والتزم أنه يداويه ويبرئه مما هو فيه، وأنه لا يأخذ أجرًا إلا بعد برئه، فملنا إلى قوله، وأخذ في معالجته بدهن صنعه، فظهرت ثمرة صنعته ولانت رجلاه وصار يتمكن من مدهما، وأشرف على كمال البرء فقال لي: أعط هذا المغربي شيئًا يرضيه واصرفه، فقلت له: لماذا وقد ظهر نُجْح مُعاناته؟ فقال: الأمر كما تقول، ولكني في راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بأخطارهم: وقد سكنت روحي إلى الانقطاع والدعة، وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذل نفسي بالسعي إليهم، وها أنا اليوم قاعد في منزلي، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاؤوني بأنفسهم لأخذ رأيي، وبين هذا وذاك كثير، ولم يكن سبب هذا إلا هذا المرض، فما أرى زواله ولا معالجته، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعيش باقيه حرًّا سليمًا من الذل وقد أخذت منه بأوفر حظ، قال عز الدين: فقبلت قوله وصرفت الرجل بإحسان.
وتوفى أبو السعادات يوم الخميس في سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة بالموصل.
مصادر الترجمة:
سير أعلام النبلاء (٢١/ ٤٨٨)، وفيات الأعيان (٣/ ٣٠٤) معجم الأدباء لياقوت (٥/ ٤٩)، التكملة لوفيات النقلة (٢/ ١٩١ رقم ١١٢٩) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٨/ ٣٦٦ - ٣٦٧)، البداية والنهاية حوادث سنة ست وستمائة، شذرات الذهب (٥/ ٢٢ - ٢٣) نزهة الألباب في الألقاب (١/
1 / 18
٥٧)، العبر في خبر من غير (٥/ ١٩) كشف الظنون (٦/ ٢٠٣)، والإعلام للزركلي (٥/ ٢٧٢).
توثيق نسبة الكتاب وبيان سميتة
إن هذا السفر العظيم قد ثبت بيقين صحة نسبته إلى أبي السعادات الجزري والذي يبرهن ذلك عدة أمور.
أولًا:
جاء على لوحة الكتاب من المجلد الأول: "الجزء الأول من الشافي في شرح مسند الشافعي تأليف الشيخ الإمام الحافظ مجد الدين المبارك بن محمد بن عبد الكريم الموصلي الجزري المعروف بابن الأثير رحمه اللَّه تعالى" وفي آخر الجزء قال: "تم الجزء الأول من كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي".
ثانيًا:
قال المصنف في مقدمة كتابه: وقد سميته كتاب "الشافي في شرح مسند الشافعي".
ثالثًا: تواتر نقل المترجمين للمصنف بذكر الكتاب في صدر مصنفاته وبعضهم سماه بالاسم المتقدم، وبعضهم قال: شرح المسند، وقد تقدم ذكر ذلك.
رابعًا: نَقْلُ أهل العلم عنه واعتمادهم عليه، وهذا يدل على ثبوته عنه وثقتهم به، فقد نقل الحافظ ابن حجر عنه في "فتح الباري" (١/ ٥٥٤) تحت رقم (٣٤٣) فقال: ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة.
وعن الحافظ نقل الزرقاني في شرح الموطأ (١/ ٤٢١).
1 / 19
ونقل الشوكاني عنه أيضًا "نيل الأوطار" أثناء شرحه للحديث الأول قال: وقال ابن الأثير في شرح المسند: هذا حدثنا صحيح مشهور أخرجه الأئمة في كتبهم.
توصيف المخطوط
لم أحظ إلا بنسخة فريدة من الكتاب بدار الكتب المصرية تحت رقم (حديث ٣٠٦) وتقع في مجلدات خمس وعدد صفحات كل جزء على الترتيب (١٩٦ - ١٤٨ - ٢٣٨ - ٢٠٠ - ٢٣٨).
وقد كتبت سنة سبعمائة وثلاثة وثلاثون.
وكتبت بخط رائق جميل، ولكن يبدو أن الناسخ لم يكن من أهل العلم فكثيرًا ما كان يصحف الأسانيد، فمثلًا يكتب "عن": "ابن" والعكس وقد بينت ذلك في مواضعه.
وفي المجلد الأول سَقْط في ثمانية مواضع، ويبتديء السقط من نهاية اللوحة "أ" وغالب ظني أن السقط ربما وقع بسبب سقوط ورق، أو خطأ في التصوير.
والمجلد الثاني: به سقط من أوله ولا أدري قدره، لكن يغلب على ظنى أنه قليل، وذلك بالنظر جملة في أحاديث الباب وتسلسلها.
وهناك نسختان بدار الكتب المصرية لكنهما منسوختان من النسخة الأولى التي اعتمدناها.
النسخة الأولى في دار الكتب تحت "حديث طلعت ٦٩٧" وهي في خمس مجلدات.
وهي نسخة متأخرة جدًّا نسخت في عام ألف وثلاثمائة وسبعة وعشرين والنسخة الثانية تحت "حديث طلعت ٦٩٨".
1 / 20
وهي في جزأين وغير مكتملة، وتحتوي على الجزء الأول والثاني فقط ولم أعرج على هاتين النسختين فهما صورة من الأولى (١).
طريقة المصنف في كتابه:
خَطَّ المصنف بيده في ترة كتابه هذا منهجه الذي سار عليه في الشرح بما يجعل الكلام على المنهج المتبع نافلة من القول.
ولذا فإني أحب أن أذكر بعض النقاط الهامة في هذه الخطبة.
- اعتمد المصنف في تخريج الحديث على الأصول الستة ولم يعد إلى غيرها، ومن المعلوم أن المصنف لم يعتمد سنن ابن ماجه في الأصول الستة وإنما وضع مكانه الموطأ كما هي خطه في جامع الأصول.
وتميز هذا التخريج بذكر المصنف الأسانيد والمتون واختلاف ألفاظ المخرجين.
يعقد مقارنات بين الألفاظ المخرجة ويبين وجوه البلاغة والبيان في كل وجه.
- يتكلم المصنف على كل لفظة في الحديث بالتفصيل الدقيق من جميع الوجوه؛ بلاغية ونحوية وفقهية وحديثية بما يجعل هذا الكتاب في الصدارة لكتب الشروح، وكيف لا والمصنف ﵀ له القدح المعلى في هذا الباب.
- يكثر المصنف من نقل اختلاف العلماء في المسائل الفقهية نقلًا مسهبًا بما يجعل كتابه في جملة المصنفات التي تعني بنقل الخلاف.
- تأثر المصنف كثيرًا بالإمام البيهقي، وأكثر النقولات الحديثية أخذها عنه،
_________
(١) هذا وقد كتب إليَّ فضيلة الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل في خطاب منه أنه رأى في فهرس فيض اللَّه أفندي في استانبول نسخة في مجلد برقم (٤٥٢)، وكذلك ذكر نسختين في المكتبة الوطنية
بباريس للمجلد الثاني فقط، ونسخة في مكتبة شربتي ورقمها (٧٣١، ٣٩٠٦)، ولكن تعذر عليَّ تحصيل هذه النسخ والاطلاع عليها واللَّه المستعان.
1 / 21
وكذلك ما أضافه من أحاديث مسنده ليست في مسند الأصم، وكذلك أقوال الشافعي في القديم، ويعد كتاب "المعرفة" للبيهقي هو أكثر كتب البيهقي التي اعتمد عليها المصنف في النقل، ولكنه لم يعز للبيهقي إلا في مواضع قليلة جدًّا.
عملنا في الكتاب:
غلب على أهل زماننا في تحقيق المخطوط التطويل والتمطيط والحشو والتلفيق بما يضعِّف حجم الكتاب مرات، وقد قال لي أحد العلماء الأجلاء: إن هذا ينبغي أن يسمي "نفخ الكتاب".
لذا كان عملنا في المقام الأول: ضبط أصل الكتاب، والتعليق والتخريج بقدر ما تقتضيه الحاجة وهاك عدة نقاط أبين فيها منهجنا وطريقتنا.
- قابلنا الكتاب بعد نسخه على النسخة المعتمدة ومقارنتها بالأصول المطبوعة للتحقيق من لفظ أو تخريج.
- خرجنا أحاديثه بحسب عزو المصنف وقابلنا الأسانيد وأثبتنا الفروق بينها.
- تخريج الآيات القرآنية.
- قابلت نقولات المصنف عن الشافعي بأصوله المطبوعة كالأم والمعرفة وغيرهما.
- اكتفينا في عزو الأحاديث إلى أرقامها وإلا فبالجزء والصفحة كما عند النسائي والموطأ.
- لم أتكلم على الأحاديث صحة وضعفًا، فهذا عمل آخر ينوء عنه كاهلنا وليس من مقاصدنا، وقد قام الأخ الشيخ مجدي عرفات -حفظه اللَّه-. بالتعليق على أحاديث المسند في كتابه "شفاء العي".
هذه هي الخطوط العريضة في عملنا وكما قلنا سابقًا: إن الغرض هو إخراج
1 / 22