وروى البيهقى رحمه الله عن محمد بن النعمان ورفع الحديث الى النبي صلى الله عليه وسلم قال من زار قبر ابويه او احدهما فى كل جمعة غفر له وكتب برا «5»، وروى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة «6»، وروى الترمذى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال السلام عليكم يا اهل القبور يغفر الله لنا و لكم انتم سلفنا ونحن بالأثر، والأحاديث الصحيحة الثابتة المعتبرة دالة (ورق 4 ب) على ان زيارة القبور من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وان لها تأثيرا عظيما فى تنوير القلوب والترغيب الى الآخرة عقلا ونقلا، ثم ان الأموات يسمعون كلام الأحياء ويتروحون بزيارة الأحباء وينتفعون بقراءة القرآن لهم والدعاء ولهم خبر عن اتيان الزائرين واطلاع على احوال الأوداء والأقرباء المعاشرين ويأذن الله تعالي في بعض الأحيان ان يتصل ارواحهم بالأبدان كما كان قبل ان كان، وليس الأمر على ما يظن بعض الناس ممن لم يمارس علوم القوم ولم يشرب من مشارب اهل العرفان ان الروح اذا فارق البدن لم يبق له شعور بحال الزائر ولا ما اذا تجرد عن الجسد لم يعد الى عالم الجسمانيات فان العلاقة القديمة باقية لا تنصرم وعرى المحبة ثابتة لا تنفصم والله (ورق 5) سبحانه وتعالي عالم بالجزئيات كلها حسب ما هى عليه فيعلم الأجزاء بتفاصيلها ويعلم مواقعها ومحالها ويميز بين ما هو اصل وما هو فضل «1» ويقدر علي تعليق الروح بالجزء الأصلى منها حال الانفراد «2» تعليقه به حال الاجتماع «2» فان البنية عند اهل الحق ليست شرطا للحيوة بل لا يستبعد تعليق ذاك الروح الشخصى الواحد في آن واحد بكل واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فان التعليق ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول في جزء واحد من الحلول في جزء آخر، روى البخارى «3» عن ابى طلحة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من اطواء بدر خبيث مخبث «1» وكان اذا ظهر على قوم (ورق 5 ب) اقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث امر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشي واتبعه اصحابه وقالوا ما نرى ينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم واسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم انكم اطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من اجساد لا ارواح فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده ما انتم بأسمع لما اقول منهم «2»، فاذا كان الكفار سامعين لما ينادون فبالحرى ان يكون الموحدون المعظمون لأمر الله ورسوله المؤمنون بالموت وما بعده واقفين علي حال الزائرين سامعين لدعوات المخاطبين. قال الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردى رحمة الله عليه فى كتاب المعتقد من تصانيفه نعتقد ان الميت بعد الموت يسمع ما يقال عنده (ورق 6) ويقال له كما كان فى حياته ويتأثر باللطف والعنف من الغاسل وممن يباشر جسمه وكأن الحواس التى انعدمت انكمنت فيه ولا نشك فى امر الميت وسماعه ورؤيته وقد دلت الأخبار على ذلك اذا فتشت وجدت وقد وجد اهل الله وخاصته ذلك ذوقا وعلموه وايقنوه بما اظهر الحق لهم واطلعهم عليه والملكان منكر ونكير يسألانه وما ورد المسألة الا للقبور وظاهر الأمر ان المسألة تكون للحريق والغريق ايضا ومن اكلته السباع كيف مات على اختلاف الأحوال فأن ذلك ابتلاء من الله تعالي لعباده وهو من جملة منازل الآخرة ومواقفها. قال الشيخ محيي الدين النووى رحمة الله عليه وتلقين الميت بعد دفنه مما استحسنه اسلف الصالح ولم يزل علماء الشام وغيرهم يلقنون الأموات ويذكرونهم (ورق 6 ب) التوحيد والشهادات. روى مسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قل لأبنه وهو فى سياق الموت اذا انامت فلا تصحبنى نائحة ولا نار فاذا دفنتموني فسنوا «1» على التراب سنا ثم اقيموا حول قبرى قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتي استأنس بكم واعلم ماذا اراجع به رسل ربي، وهذا دليل على ان الميت يستأنس بزيارة اصدقائه واحبائه من اهل التوحيد. وروى الغزالي عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما من رجل يزور قبر اخيه ويجلس عنده الا استأنس به. وروى عن ابى هريرة اذا مر الرجل بقبر الرجل يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه واذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد السلام. قال شيخنا وسيدنا صدر الملة والدين ابو المعالى المظفر بن محمد «2» قدس الله روحه فى بعض مصنفاته ان روح (ورق 7) الزائر له نور العمل اكثر وروح المزور له نور التجليات اكثر فالحي متي زار الميت تقابل الروحان وتلاقى النوران فانتفع كل منهما بالآخر وهذا من أسرار المكاشفات لا يدركها الا اصحاب الرياضات. وروى الترمذي عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له بسراج فأخذ من قبل القبلة وقال يرحمك الله ان كنت لأواها تلاء للقرآن. وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها ان ابا بكر اقبل اى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس من مسكنه بالسنح «3» حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل [علي] «1» عائشة فتيمم «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم اكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي انت وأمى يا رسول الله والله لا يجمع الله عليك موتتين اما الموتة (ورق 7 ب) التى كتبت عليك فقدمتها وفى رواية قال طبت يا رسول الله حيا وميتا. وروى الترمذى عن ابن ابي مليكة قال لما توفي عبد الرحمن بن ابي بكر بالحبشى «3» وهو موضع فحمل الى مكة فدفن بها فلما قدمت عائشة اتت قبره فقالت، شعر:
وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا «4»
صفحة ٩