يبتغيه* وسميت الكتاب بشد الأزار فى حط الأوزار عن زوار المزار
«1» 1 ليوافق الاسم مسماه ويطابق اللفظ معناه، ولا بد لهذا الكتاب من مقدمة يبتنى عليها الكلام ويحصل منها المرام فاقول ومن الله التسديد والألهام:
[مقدمة الكتاب]
[روايات في زيارة أهل القبور]
روى مسلم في صحيحه عن ابى هريرة رضى الله عنه قال زار رسول الله صلي الله عليه وسلم قبر امه فبكى وابكى من حوله فقال استأذنت ربي في ان استغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في ان ازور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فانها تذكر الموت «2»، وروى ايضا فيه عن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها «3»، وروى ايضا عن عائشة رضى الله عنها انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان (ورق 4) ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل الى البقيع فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين واتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وانا ان شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد «4».
صفحة ٥
وروى البيهقى رحمه الله عن محمد بن النعمان ورفع الحديث الى النبي صلى الله عليه وسلم قال من زار قبر ابويه او احدهما فى كل جمعة غفر له وكتب برا «5»، وروى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة «6»، وروى الترمذى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال السلام عليكم يا اهل القبور يغفر الله لنا و لكم انتم سلفنا ونحن بالأثر، والأحاديث الصحيحة الثابتة المعتبرة دالة (ورق 4 ب) على ان زيارة القبور من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وان لها تأثيرا عظيما فى تنوير القلوب والترغيب الى الآخرة عقلا ونقلا، ثم ان الأموات يسمعون كلام الأحياء ويتروحون بزيارة الأحباء وينتفعون بقراءة القرآن لهم والدعاء ولهم خبر عن اتيان الزائرين واطلاع على احوال الأوداء والأقرباء المعاشرين ويأذن الله تعالي في بعض الأحيان ان يتصل ارواحهم بالأبدان كما كان قبل ان كان، وليس الأمر على ما يظن بعض الناس ممن لم يمارس علوم القوم ولم يشرب من مشارب اهل العرفان ان الروح اذا فارق البدن لم يبق له شعور بحال الزائر ولا ما اذا تجرد عن الجسد لم يعد الى عالم الجسمانيات فان العلاقة القديمة باقية لا تنصرم وعرى المحبة ثابتة لا تنفصم والله (ورق 5) سبحانه وتعالي عالم بالجزئيات كلها حسب ما هى عليه فيعلم الأجزاء بتفاصيلها ويعلم مواقعها ومحالها ويميز بين ما هو اصل وما هو فضل «1» ويقدر علي تعليق الروح بالجزء الأصلى منها حال الانفراد «2» تعليقه به حال الاجتماع «2» فان البنية عند اهل الحق ليست شرطا للحيوة بل لا يستبعد تعليق ذاك الروح الشخصى الواحد في آن واحد بكل واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب فان التعليق ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول في جزء واحد من الحلول في جزء آخر، روى البخارى «3» عن ابى طلحة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من اطواء بدر خبيث مخبث «1» وكان اذا ظهر على قوم (ورق 5 ب) اقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث امر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشي واتبعه اصحابه وقالوا ما نرى ينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم واسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم انكم اطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من اجساد لا ارواح فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده ما انتم بأسمع لما اقول منهم «2»، فاذا كان الكفار سامعين لما ينادون فبالحرى ان يكون الموحدون المعظمون لأمر الله ورسوله المؤمنون بالموت وما بعده واقفين علي حال الزائرين سامعين لدعوات المخاطبين. قال الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردى رحمة الله عليه فى كتاب المعتقد من تصانيفه نعتقد ان الميت بعد الموت يسمع ما يقال عنده (ورق 6) ويقال له كما كان فى حياته ويتأثر باللطف والعنف من الغاسل وممن يباشر جسمه وكأن الحواس التى انعدمت انكمنت فيه ولا نشك فى امر الميت وسماعه ورؤيته وقد دلت الأخبار على ذلك اذا فتشت وجدت وقد وجد اهل الله وخاصته ذلك ذوقا وعلموه وايقنوه بما اظهر الحق لهم واطلعهم عليه والملكان منكر ونكير يسألانه وما ورد المسألة الا للقبور وظاهر الأمر ان المسألة تكون للحريق والغريق ايضا ومن اكلته السباع كيف مات على اختلاف الأحوال فأن ذلك ابتلاء من الله تعالي لعباده وهو من جملة منازل الآخرة ومواقفها. قال الشيخ محيي الدين النووى رحمة الله عليه وتلقين الميت بعد دفنه مما استحسنه اسلف الصالح ولم يزل علماء الشام وغيرهم يلقنون الأموات ويذكرونهم (ورق 6 ب) التوحيد والشهادات. روى مسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قل لأبنه وهو فى سياق الموت اذا انامت فلا تصحبنى نائحة ولا نار فاذا دفنتموني فسنوا «1» على التراب سنا ثم اقيموا حول قبرى قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتي استأنس بكم واعلم ماذا اراجع به رسل ربي، وهذا دليل على ان الميت يستأنس بزيارة اصدقائه واحبائه من اهل التوحيد. وروى الغزالي عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما من رجل يزور قبر اخيه ويجلس عنده الا استأنس به. وروى عن ابى هريرة اذا مر الرجل بقبر الرجل يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه واذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد السلام. قال شيخنا وسيدنا صدر الملة والدين ابو المعالى المظفر بن محمد «2» قدس الله روحه فى بعض مصنفاته ان روح (ورق 7) الزائر له نور العمل اكثر وروح المزور له نور التجليات اكثر فالحي متي زار الميت تقابل الروحان وتلاقى النوران فانتفع كل منهما بالآخر وهذا من أسرار المكاشفات لا يدركها الا اصحاب الرياضات. وروى الترمذي عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له بسراج فأخذ من قبل القبلة وقال يرحمك الله ان كنت لأواها تلاء للقرآن. وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها ان ابا بكر اقبل اى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس من مسكنه بالسنح «3» حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل [علي] «1» عائشة فتيمم «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم اكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي انت وأمى يا رسول الله والله لا يجمع الله عليك موتتين اما الموتة (ورق 7 ب) التى كتبت عليك فقدمتها وفى رواية قال طبت يا رسول الله حيا وميتا. وروى الترمذى عن ابن ابي مليكة قال لما توفي عبد الرحمن بن ابي بكر بالحبشى «3» وهو موضع فحمل الى مكة فدفن بها فلما قدمت عائشة اتت قبره فقالت، شعر:
وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا «4»
صفحة ٩
ثم قالت والله لو حضرتك ما دفنت الا حيث مت ولو شهدتك ما زرتك. فلولا ان الميت يسمع ما يقال له كان الخطاب في الظاهر عبثا. قال شيخ الشيوخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردى رحمة الله عليه فى كتاب عوارف المعارف من تصانيفه «5» قيل الأرواح تجول فى البرزخ وتبصر احوال الدنيا والملائكة يتحدثون في السماء عن احوال الآدميين وارواح تحت العرش (ورق 8) وارواح طيارة الى الجنان والى حيث شاءت على اقدارهم من السعي الى الله ايام الحياة الدنيا «1».
روى مسلم «2» عن مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية:
صفحة ١٠
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ، قال انا قد سألنا رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال ارواحهم في اجواف «3» طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى الي تلك القناديل فاطلع اليهم «4» ربهم اطلاعة وقال هل تشتهون شيئا قالوا اى شئ نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا انهم لن يتركوا من «5» ان يسألوا «6» قالوا يا رب نريد أن ترد ارواحنا فى اجسادنا حتى نقتل (ورق 8 ب) في سبيلك مرة اخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا. وروى سعيد بن المسيب عن سلمان رضي الله عنه قال ارواح المؤمنين تذهب في برزخ من الأرض حيث شاءت بين السماء والأرض حتى يردها الى اجسادها، وقيل اذا ورد على الأرواح ميت من الأحياء التقوا وتحدثوا وتساءلوا ووكل الله تعالى بها ملائكة تعرض عليها اعمال الأحياء حتى اذا عرض على الأموات ما يعاقب به الأحياء في الدنيا من اجل الذنوب* كان عذر الله ظاهرا عند الأموات «1» فانه لا احد احب اليه العذر من الله عز وجل. وقد ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله عز وجل وتعرض علي الأنبياء والآباء والامهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم ويزداد وجوههم بياضا واشراقا فاتقوا الله (ورق 9) ولا تؤذو اموتاكم، وفى خبر آخر ان اعمالكم تعرض على عشائركم واقاربكم من الموتى فان كان حسنا استبشروا وان كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتي تهديهم كما هديتنا «2»، وروى الحافظ اسمعيل في كتاب الحجة عن عثمان بن عبد الله بن اوس قال قال سعيد بن جبير كيف صنيعك الى بنت اخيك اما انك لا تصنع اليها شيئا الا بلغ اباها ذلك، قلت لسعيد ويبلغ الأموات* ما يصنع الأحياء قال نعم ان رأوا خيرا سروا به وان يروا شرا سئ بهم حتى انهم ليتساءلون وفي رواية قلت وهل يأتي الأموات «3» اخبار الأحياء قال نعم ما من احد له حميم الا يأتيه اخبار اقاربه فان كان خيرا سر به وفرح وهنئ به وان كان شرا ابتأس وحزن حتى انهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال الم يأتكم فيقولون لقد خولف به «4» الي امه الهاوية، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال اذا مات الرجل فان تعلم احد من ولده القرآن بشر بذلك وان كان عقبه عقب سوء اتى الدار غدوة وعشية فبكى عليه حتى ينفخ في الصور او كما قال «5»، وعن سعيد بن جبير رحمة الله عليه (ورق 9 ب) اذا مات الرجل استقبله ولده كما يستقبل الغائب. وعن مجاهد رحمة الله عليه ان الرجل ليبشر في قبره بصلاح ولده وتقر بذلك عينه. ومذهب اهل الحق وهم اهل السنة والجماعة ان ارواح الموتى ترجع في بعض الأوقات من عليين او سجين الى اجسادهم في قبورهم فيشترك الروح والجسد في النعيم او العذاب قيل يجلسون ويتحدثون واكثر ذلك في ليالى الجمعة وايامها وقيل انهم لا يعذبون في ليلة الجمعة ويومها وذلك لفضل الجمعة وان الموحد كان يعتقد وجوبها «1» وفضلها وان المؤمن لا يكون عذابه مؤبدا.
صفحة ١٢
روى الغزالي «2» رحمه الله عن رجل من آل عاصم الجحدرى قال رأيت عاصما في منامي بعد موته بسنتين فقلت ألست مت قال بلى قلت فاين انت قال انا والله فى روضة من رياض الجنة انا ونفر من اصحابي نجتمع كل ليلة وصبيحتها الى بكر بن (ورق 10) عبد الله المزني «3» فنتلقي اخباركم، قلت اجسامكم او ارواحكم قال هيهات بليت الأجسام وانما تتلاقى الأرواح، قلت فهل تعلمون بزيارتنا اياكم قال نعم نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت الى طلوع الشمس، قلت وكيف «4» ذلك دون الأيام كلها قال لفضل يوم الجمعة،* وروى صاحب كتاب مقابر بغداد باسناده عن القطيعى قال لما توفيت ام ولدى رأيتها فى النوم فقلت الى ما صرت فقالت «5» الى كل خير في كل ليلة جمعة تنزل على احمد «6» رحمة تعمنا وذكر انه دفنها فى مقبرة احمد بن حنبل رحمة الله عليه «1» ووروى ابن القيم «2» رحمة الله عليه فى كتاب الروح عن جبير القصاب «3» قال كنت اغدو مع محمد بن واسع «4» فى كل غداة سبت حتى نأتى الجبان فنقف على القبور فنسلم عليهم وندعو لهم ثم ننصرف فقلت ذات يوم لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين قال بلغني ان الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما (ورق 10 ب) بعدها، وروى عن الضحاك انه قال من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، وقد افتى فقهاء الاسلام ان لقبر الميت حرمة كحرمة صاحبه فلولا ان للميت شعورا بحال من يقصده لم يكن لتعظيم القبر فائدة. روى احمد بن حنبل عن عمرو بن حزم «5» قال رآني رسول الله صلي الله عليه وسلم متكئا على قبر فقال لا تؤذ صاحب هذا القبر او لا تؤذه «6». وروى مسلم عن ابى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يجلس احدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الى جلده خير من أن يجلس على قبر «7». وروى ايضا عن ابي مرثد الغنوي «8» قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها «1». وروى مالك وابو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كسر عظم الميت ككسره حيا. وروى الغزالي «2» عن ابي قلابة الجرمى «3» قال اقبلت (ورق 11) من الشام الي البصرة فنزلت الخندق فتطهرت وصليت ركعتين بليل ثم وضعت رأسي على قبر ثم انتبهت فاذا صاحب القبر يشتكي ويقول لقد آذيتني منذ الليلة ثم قال انكم تقدرون ولا تعلمون ونحن نعلم ولا نقدر علي العمل ثم قال الركعتان اللتان صليتهما خير من الدنيا وما فيها. قال المؤلف وسمعت الحاج ركن الدين الصفار المحدث المجاور بالحرم الشريف رحمة الله عليه قال رأيت في بعض الكتب ان امرأة توفيت بأرض الحجاز فاحضرت غسالة لتغسلها فجئ بها الى المغتسل فلما خلعت الثياب عنها ضربت الغاسلة كفها على فخذى الميتة وقالت ما ازناها وكأنه كانت بينها معرفة فما تم قولها ان التصقت كفها على فخذها فلم تستطع أن ترفعها فجهدوا في تخليصها وانتزاعها فلم يقدروا عليها فرفعوا الأمر الى عبد الملك بن مروان وكان في ايامه (ورق 11 ب) فقال اتستفتوننى وفيكم مالك بن انس «4» فاستفتوا مالكا رحمة الله عليه فقال لعل هذه الغاسلة قذفتها بشئ اجلدوها حد القذف ثمانين «5» فجلدوها تسعة وسبعين وكانت على ذلك حتى اتموالها الحد ثمانين فارتفعت يدها. وحكى ان بعض الغسالين اهمل ادبا من الآداب في غسل بعض الصالحين فرفع الميت يده ولطمه لطمة شديدة وقال احضر شأنك فان رسل الرب ينتظرونني. وعن بعض اولياء الله تعالي انه كان على المغتسل فلما غسله الغاسل اهمل في وضوئه تخليل لحيته فأخذ الميت يده وادخلها تحت حنكه وخلل لحيته. قال المؤلف ورأيت بعض احبابي بعد الموت قد رفع سبابته مشيرا الى الشهادة وكان رجلا خامل الذكر يحضر الجماعات ومجالس الذكر يصحبنا مدة طويلة فلما رفع الي المغتسل رأيناه قابضا على ابهامه ووسطاه واصابعه الا السبابة (ورق 12) فانها كانت مرفوعة ناصبة فأردنا ان نحلها فلم نقدر على حلها. ويصدق هذا ما نقل فى الكتب ان الشبلى رحمة الله عليه لما ارادوا غسله وجدوه علي هذه الهيئة فأرادوا ان يحلوها فهتف هانف هذا عقد عقد بمحبتنا فلا يحل الا بحضرتنا. وروى الامام اليافعى رحمة الله عليه عن بعضهم قال غسلت مريدا فأمسك ابهامي وهو على المغتسل فقلت يا بنى خل يدى فانى ادرى انك لست بميت وانما هي نقلة فخلى يدى «1»، قال واخبرتنى غاسلة وكانت من الصالحات انها كانت تقص اظفار بعضهن بعد غسلها فحافت «2» عليها في بعض اظفارها فجذبت الميتة اظفارها «3». وقال ابن الجلا «4» 2 لما مات ابى ضحك على المغتسل فلم يجترئ احد ان يغسله وقالوا انه حى حتى جاء بعض اقرانه فغسله «5»، وعن بعضهم قال رأيت ابا تراب النخشبى رحمه الله ميتا في البادية قائما (ورق 12 ب) منتصبا مستقبل القبلة لا يمسكه شئ فأردت ان احمله واواريه فى التراب فلم اقدر علي حمله فسمعت هاتفا يقول يا عبد الله دع ولى الله مع الله. وروى الحافظ اسماعيل «1» عن محمد بن العباس «2» [قال] جزت علي ابي محمد الجريري «3» في سنة الهبير «4» وهو ميت بعد سنة فاذا هو جالس مستند مشير باصبعه للتوحيد «5» وروى عن بعضهم انه لما مات نظروا اليه وهو يضحك فقال الطبيب انه حى ثم جسه فقال انه ميت ثم كشف عن وجهه وقال لا ادرى أهو حي ام ميت. وقيل فتح عبد الله بن المبارك عينيه بعد موته وقال لمثل هذا فليعمل العاملون. وروى اليافعى «1» رحمة الله عليه عن محمود الوراق قال كان رجل اسود يقال له مبارك يعمل فى المباح ولا يتزوج وكان كلما نقول له الا تتزوج يا مبارك يقول اسأل الله أن يزوجني (ورق 13) من الحور العين فغزونا بعض المغازى وكان معنا فخرج علينا العدو فقتل مبارك ثم مررنا به ورأسه في ناحية وبدنه في ناحية وهو منكب على بطنه ويداه تحت صدره فوقفنا عليه وقلنا يا مبارك كم قد زوجك الله من الحور العين فأخرج يده من تحت صدره واشار الينا بثلاث اصابع يعني ثلاثا. وروى الحافظ ابو نعيم في كتاب حلية الاولياء «2» عن ربعى بن حراش «3» العبسي قال كنا اربعة اخوة وكان الربيع اخونا اكثرنا صلاة واكثرنا صياما في الهواجر وانه توفي فبينا نحن حوله وقد بعثنا من يبتاع له كفنا اذ كشف الثوب عن وجهه فقال السلام عليكم فقال القوم وعليك السلام يا اخا عبس ابعد الموت قال نعم اني لقيت ربي عز وجل بعدكم فلقيت ربا غير غضبان فاستقبلني بروح وريحان واستبرق الا وان ابا القاسم صلي الله عليه وسلم ينتظر الصلاة على (ورق 13 ب) فعجلوني ولا تؤخروني ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في طست، فنمي الحديث الي عائشة رضي الله عنها فقالت اما اني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول يتكلم رجل من امتي بعد الموت. وعن ابى سعيد الخراز «1» قال كنت بمكة فمررت يوما بباب بنى شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا فنظرت اليه فتبسم فى وجهى وقال يا ابا سعيد اما علمت ان الأحباب أحياء وان ماتوا «2». وقال ابو يعقوب السوسي «3» جاءنى مريد بمكة فقال يا استاذ انا غدا اموت وقت الظهر فخذ هذا الدينار فاحفر لى بنصفه وكفنى بنصفه فلما كان الغد وقت الظهر جاء فطاف حول البيت ثم تباعد ومات فغسلته وكفنته ووضعته فى اللحد ففتح عينيه فقلت أحياة بعد الموت فقال أنا حى وكل محب لله حى «4». وعن ابى الحسين النورى «5» قال كنا فى بعض (ورق 14) سفر فتلقانا شاب فقال اربد مكانا نظيفا وماء طهورا فقلت وما تصنع بالمكان النظيف والماء الطهور فقال اريد أن اغتسل واصلي واسلم روحى فقلت ومن اين تقدر على تسليم الروح وما علمك بوفاتك قال يا شيخ قد استنشقت نسائم الوصال واشتقت الى رؤية ذى الجلال فقلت وراء هذه الأكمة عين ماء ومكان طيب قال فمشى الشاب وتبعناه بعد ساعة فرأيناه وقد اغتسل وصلى ومات فى السجود فرفعته عن التراب وقبلت بين عينيه وقلت يا رب شاب غريب منفرد عن أحبابه واترابه فارحم غربته وآنس وحشته فضحك الشاب فى وجهى وقال أتذلنى وأنا عزيز عند الله تعالى فقلت يا حبيبى أحياة بعد الموت قال ان اولياء الله تعالى لا يموتون ولكن ينقلون من دار الى دار. وعن الشيخ ابى على (ورق 14 ب) الروذبارى 3 انه ورد عليه جماعة من الفقراء فمرض احد منهم مرضا شديدا فمل اصحابه عن خدمته فحلف الشيخ ان يتولى خدمته بنفسه ولا يتركه الى احد فخدمه اياما ثم مات الفقير فغسله بيده وكفنه وصلى عليه ودفنه فلما اراد ان يفتح رأس كفنه فى اللحد رآه وعيناه مفتوحتان اليه فقال له يا ابا على لأقصرنك بجاهى عند الله يوم القيامة «1». وعن الشيخ نجم الدين الأصبهانى رحمة الله عليه 4 انه حضر دفن بعض الصالحين فلما ارادوا ان يلقنوه قال الشيخ أتسمعون ما اسمع قالوا لا قال انه يقول عجبا لميت «*» يلقن حيا «2». وعن ابى اسحق الفزارى «3» قال كان رجل يكثر الجلوس الينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس الينا وانت على هذه الهيئة فاطلعنى على حالك قال وتعطينى الأمان قلت نعم قال (ورق 15) انى كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن فرفعت اللبن ثم ضربت بيدى الى الرداء فجذبتها ثم مددت يدى الى الأزار فاذا المرأة تمدها فجعلت امدها وتمدها هى فقلت أتراها تغلبنى فجثيت على ركبتى فجررت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى على وجهى، ثم كشف عن وجهه فاذا اثر خمس اصابع فى وجهه فقلت له ثم مه قال ثم رددت عليها لفافتها وازارها ورددت عليها التراب وآليت على نفسى ان لا انبش ما عشت «1». وروى ابو القاسم الطبرى «2» باسناده عن عطاء قال استقضى رجل من بنى اسرائيل اربعين سنة فلما حضرته الوفاة قال انى أرانى هالكا فى مرضى هذا فاذا مت فاحبسونى عندكم اربعة ايام او خمسة ايام فان رابكم منى [شئ] فلينادنى رجل منكم فلما قضى له «3» جعل فى تابوت ووضعوه فى جانب من البيت فلما كان ثلاثة ايام اذا هم بريح فناداه رجل (ورق 15 ب) منهم يا فلان ما هذه الريح فقال انى وليت القضاء فيكم اربعين سنة فما رابنى شئ الا رجلان اتيانى فكان لى فى احدهما هوى فكنت اسمع منه باذنى التى تليه اكثر مما اسمع بالأخرى فهذه الريح منها. وروى الأمام اليافعى فى كتابه المسمى روض الرياحين فى حكايات الصالحين ان بعض الحفارين كان يحفر قبرا فأشرف على انسان جالس على سرير وبيده مصحف يقرأ فيه قال وتحته أنهار تجرى فغشى عليه وأخرجوه من القبر ولم يدرو اما اصابه ثم افاق فى اليوم الثانى او الثالث فأخبرهم بما رأى فسأله بعض الناس أن يدله على ذلك القبر فأجابه وعزم على ذلك فرأى ليلته فى المنام ان صاحب ذلك القبر اتاه فقال له والله لئن دللت احدا على قبرى لتصيبنك عقوبة شديدة «1» فاستيقظ (ورق 16) وندم على ما عزم ثم عمى عليهم القبر فلم يعلموا اين هو «2»، ويصدق هذه الحكاية ما رواه الأمام الترمذى عن ابن عباس قال ضرب بعض اصحاب رسول الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب انه قبر فاذا فيه انسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبى صلى الله عليه وسلم هى المانعة هى المنجية تنجيه من عذاب الله تعالى «3». وروى اليافعى «4» عن الفقيه محب الدين الطبرى «5» انه كان مع الشيخ ابى الذبيح اسمعيل بن محمد اليمنى المعروف بالحضرمى «6» فقال يا محب الدين ا تؤمن بكلام الموتى قلت نعم قال ان صاحب هذا القبر يقول لى انا من حشو «7» الجنة 5. وروى عنه انه مر يوما على بعض المقابر فى بلاد اليمن فبكى بكاء شديدا ثم ضحك ضحكا حميدا فتعجب الحاضرون (ورق 16 ب) وسأله بعضهم [عن ذلك] فقال كشف لي عن اهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذبون فحزنت وبكيت [لذلك] ثم تضرعت الى الله سبحانه فيهم فقيل لي قد شفعناك فيهم فقالت صاحبة هذا القبر وانا معهم يا فقيه اسمعيل انا فلانة المغنية فضحكت وقلت وانت معهم ثم انه ارسل الى الحقار فسأله عن صاحب ذاك القبر فقال فلانة المغنية دفناها فى وقت كذا «1». قال الشيخ اليافعي رحمة الله عليه اخبرني الثقات ان الشيخين الكبيرين العارفين [بالله] امامى شيوخ اليمن فى وقتهما محمد بن ابى بكر الحكمى «2» وابا الغيث بن جميل اليمنى «3» رحمة الله عليهما جاءهما بعض الفقراء بعد موتهما للصحبة والأرادة فخرج الشيخ محمد من قبره وصحب ذلك الفقير واخذ عليه العهد واخرج الشيخ ابو الغيث يده من قبره وصافحه وعاقده «4».
صفحة ٢٢
وروى صاحب مقابر بغداد «1» (ورق 17) فى كتابه مسندا عن ابى الحسين بن سمعون «2» الواعظ قال كنت شابا فمضيت وحدى الى قبر احمد ليلة النصف من شعبان حتى احيى تلك الليلة فبدأت سورة البقرة وانا وحدى الى ان بلغت رأس الآية من سورة هود فمنهم شقي وسعيد فنسيت ما بعدها فجعلت اكرر الآية فسمعت قائلا يقول ولم ار شخصا يا ابا الحسين كم تكرر والله ما فينا شقى والله ما فينا شقى. وبلغنى ان الشيخ ابا اسحق الأدمي «3» 6 [كان] يقرأ بعض تلامذته كتاب البخارى عليه فلما حضره الموت قال يا استاذ قد بقي من الكتاب ما بقي وانت ترحل الي الآخرة فما تأمرنى فقال الشيخ لا بأس عليك ايتني كل يوم في الوقت الذى تأتيني فيه واقرأ على فانى اسمع فان وقع خطأ فسأنبهك عليه ان شاء الله فلما توفي ودفن كان يأتيه ذاك التلميذ فيقرأ عليه الكتاب فمتى اخطأ اوسها يسمع صوت الشيخ من القبر يلقنه الصواب حتى اتم الكتاب.
صفحة ٢٤
(ورق 17 ب). وروى مثل هذا عن الشيخ ابي بكر بن طاهر الحافظ «1» انه كان مصاحبا للشيخ روزبهان البقلي «2» رحمة الله عليه يقرآن القرآن في الأسحار عشرا عشرا قال فلما توفي الشيخ ضاقت علي الدنيا فقمت آخر الليل فصليت ثم جلست على رأس تربته وابتدأت من موضع الدرس وغلبني بكاء شديد لمفارقته عنا وانفرادى فلما اتممت العشر من السورة سمعت صوت الشيخ من القبر يقرأ العشر الآخر ثم سكت فقرأت العشر الذى يليه ثم سكت فقرأ العشر الآخر الى ان اجتمع الأصحاب فانقطع الصوت ثم اتيت في الليلة الثانية فكان الحال كذلك حتى مضى عليه برهة من الدهر وكان ذلك سرا بيني وبين الشيخ ثم اخبرت بعض احبابى عن هذه الحالة فما سمعت الصوت بعد ذلك. قال المؤلف ومن اعجب ما وقع في عهدنا ان عبد الله الكلالي في محلتنا كان رجلا شابا جلدا قويا يحفر القبور (ورق 18) فنبش يوما عن قبر قديم ليدفن فيه ميتا آخر فلما وصل الى الأحجار واراد ان يرفعها سمع صوتا ذاهيبة يقول له ماذا تريد ان تصنع يا هذا فداخله خوف شديد ومات عن ساعته فأخرج ميتا. فهذه حكايات صحيحة عن الثقات لا ينبغي ان ينكر عليها فانها من كرامات الأولياء. قال العلماء ورؤية الموتى وسماع اصواتهم في اليقظة نوع من الكشف يظهر الله تعالى به «3» حال الرائى او المرئي لتبشير او انذار او لمصلحة من الميت من ايصال خير اليه او قضاء دين عليه «4». روى صاحب الفردوس الأعلى «1» 7 وهو شيرويه بن شهردار الديلمي «2» في كتاب التجلى في المنامات باسناده عن ابي هانئ الكيسانى بينما ثلاثة يسيرون في ارض الروم اذ مروا بعظام في واد فسمعوا صوتا عند العظام يقول انشدكم الله في ديني مرتين فقالوا له من انت قال انا من الشهداء وقد حبست عن اصحابي بدين (ورق 18 ب) لامرأتى وهو خمسة عشر دينارا فقالوا له وما يدرينا ما اسمك واين منزلك وامرأتك فقال لهم ليضرب احدكم بيده الى الأرض فضرب احدهم بيده الى الأرض فاذا كفه منقوش باسمه واسم ابيه وقريته بكتابة لا تمتحي قال فضمنوا له دينه ثم مضوا فلما جاؤا منزله قال بعضهم لبعض يا قوم ان الرجل قد ضمنتم له دينه فمالوا الى امرأته فقالوا لها اكان لك على زوجك دين فقالت نعم كانت لى عليه خمسة عشر دينارا بقية من مهرى فقالوا لها ان رأيت ان تهبي له فقالت ما كنت لأفعل ذلك قالوا فيعطيك كل انسان منا دينارا قالت لا قالوا فدينارين قالت لا قالوا فثلاثة قالت لا فقال بعضهم يا قوم انكم ضمنتم للرجل ان تقضوا دينه ففوا له بضمانكم فأخرج كل منهم خمسة دنانير فاعطوها فلما فارقوها امتحى الكتابة من يد الرجل ثم رآه صاحب الكتابة في منامه وهو يقول جزاكم الله خيرا فقد بلغنى ما صنعتم (ورق 19). وروى ايضا في ذلك الكتاب باسناده عن شيبان بن جسر «1» قال خرج ابي وعبد الواحد بن زيد «2» يريدان الغزو فهجموا على ركية واسعة عميقة فأدلو احبالهم بقدر فاذا القدر قد وقعت في الركية قال فقرنوا حبال الرفقة بعضها الى بعض ثم دخل احدهم الركى فاذا هو بهمهمة في الركى فاذا برجل جالس على الواح وتحته الماء فقال اجني ام انسي قال بل انسي قال من انت قال انا رجل من اهل انطاكية واني مت فحبسني ربي ههنا بدين علي وان ولدى «3» بأنطاكية ما يذكروننى ولا يقضون عني فخرج الرجل وقال لصاحبه غزوة بعد غزوة فدع اصحابنا يذهبون فسارا الى انطاكية فسألا عن الرجل وعن بنيه «4» فقالوا نعم والله انه لأبونا وقد بعنا ضيعة لنا فأتيا معنا نقضي عنه دينه فذهبوا حتى قضوا عنه الدين ثم رجعا من انطاكية حتى اتيا موضع الركية ولا يشكان انها ثم فلم يكن ركية ولا اثر فامسيا هنالك فأتاهما الرجل فى منامهما وقال (ورق 19 ب) جزاكما الله عني خيرا ان ربي حولني الى الجنة حيث قضي عني ديني. وروى الفقيه ابو الليث السمرقندى في تنبيه الغافلين «5» من مصنفاته باسناده عن يحيى بن سليم قال كان «1» عندنا بمكة رجل من اهل خراسان وكان رجلا صالحا وكان الناس يودعونه اماناتهم وودائعهم فجاء رجل واودعه عشرة آلاف دينار وخرج الرجل في حاجته ثم قدم مكة وقدمات الخراساني فسأل اهله وولده عن ماله فقالوا ما لنا علم بذلك فقال الرجل لفقهاء مكة وكانوا يومئذ مجتمعين متوافرين هذه حالي فما تأمرونني قالوا نحن نرجو ان يكون الخراسانى من اهل الجنة فاذا مضى من الليل ثلثه او نصفه فأت زمزم فاطلع فيها وناد يا فلان بن فلان انا صاحب الوديعة ففعل ذلك ثلاث ليال فلم يجبه احد فأتاهم فأخبرهم فقالوا انا لله وانا اليه راجعون نحن نخشى ان يكون صاحبك من اهل النار فأت اليمن فان بها واديا يقال له برهوت (ورق 20) فيه بئر فاطلع في البئر اذا مضى ثلث الليل او نصفه فناد فيها يا فلان بن فلان انا صاحب الوديعة فعل فأجابه في اول صوت فقال ويحك بم انزلت ههنا «2» وقد كنت صاحب خير قال كان لي اهل بيت بخراسان فقطعتهم حتى مت فآخذني «3» الله بذلك وانزلني هذا المنزل فاما مالك فهو على حاله وانى لم آتمن ولدى على مالك فدفنته فى بيت كذا وكذا «4» فقل لولدى يدخلك «5» دارى ثم صر الى البيت فاحفر فانك ستجد مالك؛ فرجع فوجد ماله علي حاله فأخذ [ه] وروى البخارى «6» رحمه الله تعليقا قال لما مات الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم ضربت امرأته قبة على قبره سنة ثم رفعت فسمعت صائحا يقول الاهل وجدوا ما فقدوا فأجابه آخر بل يئسوا فانقلبوا «1».
وروى عن مالك بن دينار انه كان ينشد لنفسه «2»، شعر:
ألا حي القبور ومن بهنه ... وجوه فى التراب احبهنه
فلو ان القبور اجببن حيا ... اذا لأجبننى اذ زرتهنه (ورق 20 ب)
ولكن القبور صمتن عنى ... فأبت بحسرة من عند هنه
وروى ان عليا رضى الله عنه زار قبر فاطمة فبكى ثم انشد «3» شعر:
صفحة ٢٨
ما لي وقفت على القبور مسلما ... قبر الحبيب فلم يرد «1» جوابي
أحبيب مالك لا ترد جوابنا ... انسيت بعدى خلة الأحباب
فسمع صوتا يقول:
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم ... وانا رهين جنادل وتراب
اكل التراب محاسنى فنسيتكم ... وحجبت عن اهلي وعن اصحابي «2»
صفحة ٢٩
وروى الفقيه ابو بكر محمد بن الحسين الآجرى «3» رحمه الله باسناده «4» ان عمر بن عبد العزيز حضر جنازة رجل من بني امية فلما دفن قال لأصحابه قفوا وصوب فامعن في القبور واستبطأه الناس جدا ثم رجع وقد احمرت عيناه وانتفخت اوداجه فقيل ابطأت يا امير المؤمنين ما الذى حبسك قال اتيت قبور الأحبة فسلمت فلم يردوا علي السلام فلما ذهبت اقفي «5» ناداني التراب فقال يا عمر الاتسألنى ما لقيت اليدان (ورق 21) قلت ما لقيتا قال قطعت الكفين من الرسغين وقطعت الرسغين من الذراعين وقطعت الذراعين من المرفقين وقطعت المرفقين من العضدين وقطعت العضدين من الكتفين، فلما ذهبت اقفي ناداني التراب فقال يا عمر اما تسألني ما لقيت الأبدان قلت ما لقيت قال قطعت الكتفين من الجنبين وقطعت الجنبين من الصلب وقطعت الصلب من الوركين وقطعت الوركين من الفخذين وقطعت الفخذين من الركبتين وقطعت الركبتين من الساقين وقطعت الساقين من القدمين، فلما ذهبت اقفي ناداني التراب فقال يا عمر عليك بأكفان لا تبلى قلت وما هي قال اتقاء الله والعمل بطاعته. وعن مالك بن دينار «1» رضي الله عنه قال مررت بمقبرة فانشأت اقول
اتيت القبور فناديته ... ن اين «2» المعظم والمحتقر
واين المدل بسلطانه ... وأين المزكى اذا ما افتخر
قال فنوديت من بينها «3» أسمع صوتا ولا أرى شخصا وهو يقول:
تفانوا جميعا فما مخبر ... وماتوا جميعا ومات الخبر (ورق 21 ب)
صفحة ٣٠
تروح وتغدو بنات الثرى «4» ... وتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا ... اما لك فيمن ترى معتبر
لقد قلد القوم اوزارهم ... فاما نعيم واما سقر «1»
صفحة ٣١
واتفق العلماء رضي الله عنهم على ان الميت ينتفع بالدعاء له والصدقة عنه وفي ثواب القراءة والصوم خلاف فيما بينهم. روى الغزالي رحمة الله عليه في الأحياء «2» عن علي بن موسى الحداد قال كنت ببغداد مع الأمام احمد بن حنبل رحمة الله عليه في جنازة ومحمد بن قدامة الجوهرى معنا فلما دفن الميت جاء رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له احمد يا هذا ان القراءة علي القبور بدعة فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد يا ابا عبد الله ما تقول في مبشر بن اسمعيل قال ثقة قال هل كتبت عنه شيئا قال نعم قال اخبرنى مبشر بن اسمعيل عن عبد الرحمن بن العلاء بن الحجاج «3» عن ابيه انه اوصى (ورق 22) اذا دفن أن يقرأ عند رأس قبره بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يوصى بذلك فقال له فارجع الى الرجل فقل له يقرأ. وروى الأمام البيهقي في شعب الأيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول اذا مات احدكم فلا تحبسوه واسرعوا به الى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة البقرة. وعن احمد رضي الله عنه اذا دخلتم المقابر فاقرؤا بفاتحة الكتاب وقل هو الله احد والمعوذتين واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فانه يصل اليهم. وذكر «4» ابن ابي الدنيا في كتابه الداعي الى وداع الدنيا عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مر على المقابر فقرأ قل هو الله احد عشر مرات ثم وهب اجره للأموات حظي «1» اجره بعدد تلك الأموات. وروى الحافظ اسمعيل «2» عن عطاء قال كل شي (ورق 22 ب) يصنع الحي للميت يصل اليه حتى التسبيح ان شاء الله. قال الشيخ ابو عبد الله القرطبى «3» في كتاب التذكرة القراءة والدعاء والاستغفار كلها من باب الصدقة لأن الصدقة لا تختص بالمال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن قصر الصلوة حالة الأمن فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، وقال صلى الله عليه وسلم يصبح على كل سلامى من احدكم صدقة «4» الحديث، فاهداء القرآن من باب الصدقة ولا خلاف في ثواب الصدقة فلا خلاف في ثواب القراءة.
صفحة ٣٢
وروى اليافعي «1» ان الشيخ عز الدين [بن] عبد السلام «2» كان منكرا لأهداء القرآن الى الموتى فلما مات رآه بعض اصحابه فى النوم فقال ما تقول في اهداء القرآن الى الأموات فقال الشيخ هيهات وجدت الأمر بخلاف ما كنت اظن.
صفحة ٣٣
قال اليافعي «3» مات بعض اصحابي باليمن فاهديت له «4» شيئا من القرآن فرآه بعض اصحابى في النوم فقال له سلم على فلان وقل له جزاك الله خيرا كما اهديت الى القرآن، وقال «5» توفيت امرأة فرأتها بعض قرابتها على سرير وعند السرير اوان من نور مغطاة قالت فسألتها (ورق 23) ما في هذه الأواني قالت فيها هدية اهديها الى ابو اولادى البارحة فلما استيقظت ذكرت ذلك لزوج الميتة فقال قرأت البارحة شيئا من القرآن واهديته اليها. قال المؤلف حكى لى الشيخ الصالح العارف علاء الدين الأيجي دامت بركاته وهو عدل يعتد بقوله قال رأيت بعض اقربائي بعد الموت فقلت له كيف يصل اليكم ثواب قل هو الله احد فقال روح وراحة تأتينا كمن يكون في حمام حار وقد غلب عليه العطش فاذا رجل حسن الصورة طيب الرائحة يفتح عليه الباب فيدخل عليه نسيم طيب ثم يناوله كوز ماء بارد كيف يتروح بهما فهكذا يصل ثواب من يهدى الينا سورة الأخلاص. وروى صاحب التجلي في المنامات «6» ان امرأة من المتعبدات يقال لها راهبة «1» لما اشرفت على الموت رفعت رأسها الى السماء وقالت يا من عليه اعتمادى في حياتى ومماتي (ورق 23 ب) لا تخذلنى عند الموت ولا توحشني في قبرى فلما ماتت كان لها ولد يأتي قبرها في كل ليلة جمعة ويوم جمعة ويقرأ عندها شيئا من القرآن ويدعو «2» لها ويستغفر لها ولأهل المقابر قال فرأيتها في المنام فسلمت عليها وقلت يا اماه كيف انت وكيف حالك قالت يا بني ان للموت كربة شديدة وانا بحمد الله في برزخ محمود مفروش فيه الريحان وموسد فيه السندس والأستبرق [الى يوم القيامة] فقلت الك حاجة قالت نعم يا بني لا تدع ما انت فيه من زيارتنا والقراءة والدعاء لنا فاني يا بني اسر بمجيئك الى يوم الجمعة وليلة الجمعة اذا اقبلت يقول لي الموتى يا راهبة هذا ابنك قد اقبل فأسر بذلك ويسر من حولي من الموتى قال فكنت ازورها فى كل ليلة جمعة ويومها واقرأ القرآن وادعو لهم فبينما انا ذات ليلة [نائم] اذا بخلق كثير قد جاؤني فقلت من انتم وما حاجاتكم فقالوا نحن اهل (ورق 24) المقابر جئناك نشكرك على فعالك ونسألك أن لا تقطع عنا تلك القراءة والدعوات فمازلت اقرأ لهم وادعولهم بهن كل ليلة جمعة ويومها. وعن بشر بن منصور «3» قال لما كان زمن الطاعون كان رجل يختلف الى الجنائز «1» فيشهد الصلوة عليها فاذا امسى وقف على باب المقبرة وقال آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن سيئاتكم وقبل حسناتكم لا يزيد على هذه الكلمات قال الرجل فأمسيت ذات ليلة وانصرفت الى اهلي ولم آت باب المقبرة فأدعو كما كنت ادعو فرأيت فى المنام خلقا كثيرا قد جاؤني فقلت من انتم وما حاجتكم قالوا نحن اهل المقبرة قلت وما جاء بكم قالوا انك عودتنا منك هدية عند انصرافك الى اهلك قلت وما هى قالوا الدعوات التى كنت تدعو لنا بها قلت فأنى اعود لذلك فما تركتها بعد ذلك. وروى اليافعى «2» ان رجلا رأى في النوم كأن اهل بعض المقابر خرجوا من قبورهم وهم يلتقطون شيئا قال فتعجبت منهم ورأيت واحدا منهم جالسا لا يلتقط شيئا فدنوت منه (ورق 24 ب) وسألته ما الذى يلتقط هؤلآء قال هم يلتقطون ما يهدى اليهم المسلمون من القرآن والدعاء والصدقة فقلت له فلم لا تلتقط انت معهم قال أنا غنى عن ذلك فقلت بأى شئ قال بختمة يقرؤها ولدى ويهديها الي كل يوم فقلت من هو قال رجل يبيع الزلابية في سوق كذا قال فلما استيقظت ذهبت الى ذلك السوق فرأيت شابا يبيع الزلابية ويحرك شفتيه فقلت له بأى شئ تحرك شفتيك قال بقرآن اقرؤه واهديه الى والدى الميت قال الراوى فلبثت مدة من الزمان ثم رأيت في المنام ان الموتي قد خرجوا من القبور وهم يلتقطون كما تقدم واذا بالرجل الذى كان لا يلتقط معهم صار يلتقط معهم فاستيقظت وتعجبت من افتقاره بعد استغنائه ثم ذهبت لأتعرف خبر الشاب فقالوا انه قدمات. واما الدعاء فقد قال النبى «1» صلى الله عليه وسلم ما الميت في قبره الا كالغريق المتغوث ينتظر دعوة تلحقه (ورق 25) من ابيه او اخيه او صديق له فاذا لحقته كانت احب اليه من الدنيا وما فيها وان هدايا الأحياء للأموات الدعاء والاستغفار. وعن بعضهم «2» قال مات اخ لي فرأيته «3» في المنام فقلت ما كان من حالك حين وضعت في قبرك فقال اتاني آت بشهاب من نار فلولا ان داعيا دعا لي لرأيت انه سيضربني به، ويؤكد هذا ما روى عن دعاء حبيب العجمي رحمة الله عليه للمصلوب، وقال بشار بن غالب «4» رأيت رابعة [العدوية] العابدة في منامي وكنت كثير الدعاء لها فقالت لي بابشار هداياك تأتينا علي اطباق من نور مخمرة بمناديل الحرير قلت وكيف ذاك قالت هكذا دعاء المؤمنين الأحياء اذا دعوا للموتى فاستجيب لهم جعل ذلك الدعاء على اطباق النور وخمر «5» بمناديل الحرير ثم اتي به «6» الميت فقيل هذه هدية فلان اليك، وعن ابى قلابة «7» قال رأيت (ورق 25 ب) بعض الأموات فقال جزى الله اهل الدنيا عنا خيرا اقرأهم السلام فانه يدخل علينا من دعائهم انوار امثال الجبال. وروى الحافظ اسمعيل «8» عن ابي صالح قل ان الرجل ليرفع له درجة في قبره فيقول بم هذا فيقل باستغفار ولدك لك. وهذا اوان الشروع في المقصود والله منجز الوعود الوفي بالعهود.
صفحة ٣٦
قال المؤلف شكر الله مسعاه وجعل اخراه خيرا من اولاه لما كانت المزارات كثيرة والمسافة بين المحلات بعيدة رأيت أن اقسم مزارات هذه الرقعة على عدد الأيام السبعة ليسهل على الزائر اتيانها ولا يتعذر لديه امكانها فان امكنه الدور على جميعها فى يوم واحد فبها والا فيبدأ كل يوم بقسم في طلبها او يدور في كل ليلة جمعة او صباح سبت على قسم منها حتى يفرغ في سبعة اسابيع عنها، وهذا ترتيب النوبات فيها (ورق 26):
النوبة الاولى للروضة الكبيرية وما يليها،
النوبة الثانية للمقبرة الباهلية وما يدانيها،
النوبة الثالثة لمقبرة سلم وما يقتفيها،
النوبة الرابعة لمشهد ام كلثوم وشيرويه وما يحتذيها «1»،
النوبة الخامسة للمقبرة الباغنوية ونواحيها،
النوبة السادسة للجامع العتيق وما في حواليه،
النوبة السابعة لمقابر المصلى وما يقرب اليه،
ولم اراع ترتيب المتقدمين والمتأخرين في الأبواب اذ كانت الزيارة غاية القصد في هذا الكتاب بل الحقت الآخرين بالأولين والقريب العهد بالقديم وتوكلت على الله الكريم «2».
صفحة ٣٧
النوبة الأولى للروضة الكبيرية وما يليها
1 - الشيخ الكبير ابو عبد الله محمد بن خفيف بن اسكفشاذ «1» الضبى
صفحة ٣٨
مولاهم شيرازى الأصل وامه كانت نيسابورية، هو خاتم الصوفية من السلف ومزرع «2» الصوفية من الخلف قال الشيخ ابو الحسن الديلمي «3» في مشيخته هو شيخ الشيوخ وامام اهل النحلة ولولا ان من الله (ورق 26 ب) علينا بطول عمره حتى ادركناه و استفدنا منه لكان معدودا فى الطبقة الثانية لمحله وسنه وعلمه وحاله وحاجة اهل عصره اليه فى رأيه وعقله. قال عبد الله بن الحسين «1» حين وصف عنده الشيخ وما عسى رأيتم انتم من مكانه والله لقد رأيت ابا عبد الله في ابتداء امره وقد تصوف منذ سنين يقصده الشيوخ بأسرهم ففيهم من كان نعله معلقا بأصبعه يمشى اليه حافيا وكان يقول هو وبسمعون. وقال جعفر الخلدى «2» وقد طالع بعض مصنفات الشيخ علمه دقيق واشاراته لطيفة ورمزه مفهوم قد خالطه علوم الظواهر وقد قيد كلامه بنصوص الآيات ومشاهير الأخبار وسيبلغ مراده على ما تبين لى من علمه. وقال ابو عبد الله الشواء «3» فيه كلامه جواهر العلم وعلومه ممزوجة بالحكم. وروى ان الشيخ احمد ابن يحيى «1» كان جالسا مع اصحابه يدارسهم فعبر به الشيخ فقال احمد ان هذا الأمر لا يختم الا (ورق 27) بابى عبد الله «2». وروى عن الشيخ جعفر الحذاء «3» انه مر به يوما فنظر اليه وقال يذهب التصوف من فارس مع هذا الغلام، وقال ابو الحسن احمد بن محمد بن حكيم الحكيمى «4» القاضى فيه ان ابا عبد الله رجل موفق فى امره محبوب من بين اصحابه اذا قرن بالأوائل ضاهاهم واذا نظر فى علومه وازاهم فهو محسود فى جميع اموره. وقال ابو بكر الأسمعيلى الجرجانى «5» فيه ذاك شيخ يبلغنى عنه حسن سمت قد سلك منهج الشيوخ واحتذى حذوهم واستطرق طريقهم له علوم وحكم قد سطرها في دواوينه والفهافى كتبه يفرح بمثله ويفتخر بعلمه. وقال الحافظ ابو نعيم «1» عند ذكره كان شيخ الوقت علما وحالا. وقال الشيخ ابو عبد الرحمن السلمي «2» فى كتابه المسمي بتاريخ الصوفية هو اليوم شيخ المشايخ وتاريخ الزمان لم يبق للقوم اقدم منه سنا ولا اتم حالا ووقتا وهو من اعلم المشايخ بعلوم الظاهر (ورق 27 ب) متمسكا بعلوم الشريعة من الكتاب والسنة وهو فقيه على مذهب الشافعي.
صفحة ٤١
وفى المرقاة الارفعية فى طبقات الشافعية لشيخنا الفيروزآبادى «3» هو شيخ المشايخ والسيد الذى يرجى الرحمة بذكره، والغرض انه مقبول الأوائل متبوع الأواخر قد صحب الجنيد ولبس الخرقة بعده من ابي محمد رويم وصحب الجريرى «4» و ابا العباس بن عطاء «1» ولقي الحسين بن منصور الحلاج وكان يذب عنه وصحب «2» الشيخ ابا الحسن الأشعرى واستفاد منه والزمه الشيخ فى مسائل حتى رجع عنها، وكان لا ينام كل ليلة حتى يكتب من صحاح الأحاديث عشرين حديثا بعد ما فرغ عن ورده وله مسند حديث وروى عنه الحافظ ابو نعيم الأصبهاني وغيره، وله مصنفات كثيرة منها كتاب شرف الفقراء المتحققين على الاغنياء المنفقين، وكتاب شرح «3» الفضائل، وكتاب جامع الارشاد، وكتاب الفصول فى الاصول، وكتاب الاستذكار، وكتاب اللوامع، وكتاب المنقطعين، (ورق 28) وكتاب لبس المرقعات، وكتاب الاغاثه «4»، وكتاب اختلاف الناس فى الروح، وكتاب الاقتصاد، وكتاب فضل التصوف، وكتاب المفردات، وكتاب بلوى الانبياء «5»، وكتاب الرد والالفة، وكتاب الجمع والتفرقة، وكتاب مسائل على بن سهل، وكتاب الرد على ابن رزمان «6»، وكتاب الرد على ابن سالم، وكتاب الجوع وترك الشهوات، وكتاب معرفة الزوال، وكتاب اسامى المشايخ «1»، وكتاب المعراج، وكتاب المنهج فى الفقه، وكتاب الاستدراج والاندراج، وكتاب المعتقد الكبير والصغير، وغيرها وقيل تبلغ مصنفاته من المطولات والمختصرات ثلثين كتابا، وكان يذكر الناس على الكرسي ويقول للمريدين في نصيحته اقتدوا بخمسة من شيوخنا والباقون اسمعوا لهم وسلموا ما قالوا وهؤلآء الحارث بن اسد «2» المحاسبي، وابو القاسم الجنيد بن محمد «3» وابو محمد رويم بن محمد «4»، وابو العباس بن عطاء «5»، وعمرو بن عثمان المكى «6»، فقيل له لم خصصتهم قال لأنهم جمعوا بين لعلم والحقيقة والباقون كانوا ارباب احوال واصحاب غلبات، وقال ما سمعت شيئا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم الا واستعملته (ورق 28 ب) حتى الصلوة على اطراف الأصابع وهي صعبة، وروى الأستاذ الأمام ابو القاسم القشيرى «1» عن ابي عبد الله بن باكويه «2» قال سمعت الشيخ يقول ربما كنت اقرأ فى ابتداء امرى في ركعة واحدة عشرة الآف مرة قل هو الله احد وربما اقرأ في ركعة واحدة القرآن كله وربما كنت اصلي من الغداة الى العصر الف ركعة. قال القشيرى وسمعته «3» يقول سمعت ابا العباس الكرخى «4» يقول سمعت ابا عبد الله بن خفيف يقول ضعفت عن القيام بالنوافل وجعلت بدل كل ركعة (بقيه از صفحه قبل) من وردى ركعتين قاعدا للحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة القاعد على النصف من صلوة القائم، وعاش مائة سنة وعشر سنين وقيل اكثر منه «1»، وروى الحافظ اسمعيل «2» عن ابى القاسم الهاشمي قال سمعت الشيخ يقول فى آخر مجلس يتكلم على الكرسى كان في الباهلية بشيراز رجل وامرأة اذا اعتل من اصحابنا غريب حملاه الى دارهما فخدماه (ورق 29) فورد فقير حسن الطريقة فاعتل علة شديدة فحمل اليهما فكانا يخدمانه فاشتدت عليه العلة ليلة فتناوبا فى خدمته فقالت المرأة لزوجها انام انا وتخدمه الى السحر ثم تنام انت واخدمه انا الى الصباح فكانا على ذلك قال الرجل فكنت اشم رائحة طيبة ما شممت اطيب منها لم تشبه طيب الدنيا واحس في الدار حسا شديدا فغفوت غفوة «3» فاذا بهاتف يهتف ويلك أتنام والحق تعالى وتقدس نازل فى دارك فانتبهت فاذا الشاب قد فارق روحه، فلما بلغ الشيخ الى قوله اتنام والحق نازل فى دارك زعق واضطرب ووقع من الكرسى في حجرى ودموعه تسيل على كفى فلحست دمعه وكان حلوا وما انتفع بالشيخ بعد ذلك.
صفحة ٤٥
وللشيخ ابى الحسن الديلمى «4» كتاب سوى المشيخة «5» وهو مشتمل على سيرة الشيخ فقط ذكر فيه حكاياته وكراماته وكلماته، توفى ليلة الثلثاء الثالث والعشرين من رمضان «1» سنة احدى وسبعين وثلثمائة رحمه الله «2» 8 (ورق 29 ب).
2 - الشيخ ابو احمد الكبير
صفحة ٤٦
اسمه الفضل بن محمد خادم الشيخ وصاحبه، قال الديلمى رأيته نحوا من خمسة وعشرين سنة عليه جباب صوف غليظة بلا سراويل وكان كثير العزلة حسن السيرة لم يرقط فى خصومة ولا فضول قد حبب اليه الانفراد والخلوة وكان يأوى بيتا فوق سطح رباطه نحو خمسين سنة في الشتاء والصيف يحتمل بردها وحرها ويراعي اوقات الصلوات ليلا ونهارا ما سها عن وقت واحد نهاره صائم وليله قائم ويعود المرضى ويشيع الجنائز ويقضي حقوق الأخوان ولا يدخل على القضاة والسلاطين وكان له احاديث ويكتب كتابة ردية، قال وكنا مع ابي عبد الله البيطار «1» وابى نصر الطوسى «2» والحسن الجوالقى «3» في بستان فخرجنا الى الطهارة وقت الظهيرة فاذا ابو احمد في الصحراء وحده فقالت له الجماعة ايها الشيخ هذا وقت حار فلو ساعدتنا ودخلت (ورق 30) او ساعدناك فقال لا ولكن ارجعوا الى ما كنتم فيه ودعوني ففيه السلامة لى ولكم فتركوه ومضى حتى غاب عن اعينهم فأثر فى الجماعة ذلك. توفى سنة سبع وسبعين وثلثمائة «4» ودفن خلف الشيخ الكبير بحظيرته المقدسة رحمه الله.
3 - الشيخ ابو احمد الصغير
صفحة ٤٧
اسمه الحسن بن على الشيرازى خادم الشيخ وصاحبه قال صحبت الشيخ وخدمته خمسا «5» وثلثين سنة ما معنا فى البيت ثالث الا امرأة في بعض الأوقات تجئ فتخدم. قال الديلمى سمعت الشيخ الكبير رحمه الله يقول كيف لا احب ابا احمد وكان يغطينى واهلي بالثياب ثلثين سنة. قال مات وقد قارب السبعين ما رأيته ولا سمعت قبله «6» انه تغير عما كان عليه من الفقر وثبت على ذلك حتى شاخ وضعف وما افرد قط لنفسه طعاما ولا مكانا بل كان يأكل مع الفقراء وينام حيث ينام الفقراء وما فرش لنفسه الا في مرض موته وكان اميا لا يكتب ويستقى «1» الماء (ورق 30 ب) ويكنس الرباط كالصبي الصغير واذا دعي بالشيخ غضب يخدم نهاره مع الصبيان ويقوم ليله كالرهبان ما عرفت له طول عمره زلة ولا هفوة لبس مرقعة واحدة مدة حياته ونزعت عنه فى المغتسل واوصى عند موته بمرقعته ومنديله لصبيان الرباط واوصى بكساء كان له للكفن والحنوط والمؤن. توفى سنة خمس وثمانين وثلثمائة «2» ودفن عند الشيخ ابى احمد الكبير خلف الشيخ وقبره متصل بقبرهما رحمة الله عليهم «3».
4 - الشيخ عبد السلام بن الشيخ الكبير ابى عبد الله
صفحة ٤٨