86/أ اعلم أن أكثر مفتي عصرنا أفتوا بجواز فتح الباب ، والكوة ، والشباك ، من دار بيت ملاصقة للمسجد الشريف ، وكان ذلك منهم استرواحا ، وعدم وقوف على مجموع الأحاديث الواردة ، ولولا جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، / وعظمته الراسخة في القلب لم أتكلم في شيء من ذلك ، وكنت إلى السكوت أميل ، لكن لا أرى السكوت يسعني في ذلك ، فإن هذا عهد عهده النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته ، فوجب على كل من علمه أن يبينه ، ولا يراعي فيه صديقا ولا حبيبا ، ولا بعيدا ولا قريبا ، وأنا أذكر شبه المفتين وأوردها واحدة واحدة .
فمنهم من قال : لا نقل في هذه المسألة لأهل مذهبنا ، ونقول بالجواز استحسانا حيث لا ضرر .
وجواب هذا : أنه لا استحسان مع النصوص النبوية .
ومنهم من قال بالقياس على سائر المساجد ، حيث رأى الناظر ذلك .
وجواب هذا : أن النص منع القياس ، ودلت الأحاديث على أن المسجد النبوي انفرد بهذه الخصوصية عن سائر المساجد .
ومنهم من قال : الأمر في ذلك منوط برأي الإمام .
وجواب هذا : أنه لا رأي لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل لأحد من الأئمة أن يغير من الأمور المنصوصة في الشريعة شيئا برأيه ؟
ومنهم من قال : الحديث الوارد في ذلك مخصوص بزمنه عليه السلام ، وهذا خطأ من وجوه :
أحدها : أنه لا دليل على التخصيص ، وإنما يصار إلى تخصيص النصوص بدليل .
ثانيها : أن القصة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته ، ولم يعش بعدها إلا دون عشرة أيام ، فدل على أنه أمر به شرعا مستمرا إلى يوم القيامة .
ثالثها : أنه لو كان مخصوصا بزمن لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبينه ، وإلا لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة ، لا سيما وهي آخر جلسة جلسها للناس .
صفحة ٢٣