ـ[شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام]ـ
جمعه ورتبه ووقف على طبعه: بشير يموت
الناشر: المكتبة الأهلية، بيروت
الطبعة: الأولى، ١٣٥٢ هـ - ١٩٣٤ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم]
صفحة غير معروفة
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الأول
شاعرات العرب في الجاهلية
١- صفية بنت ثعلبة الشيبانية
ترجمتها ينتهي نسبها الأعلى إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. أسهمت إسهامًا ضخمًا في جمع قومها شيبان والقبائل الأخرى ليوقعوا بالفرس في ذي قار بقيادة هاني بن مسعود. وأخوها عمرو بن ثعلبة كان على رأس الوقعة الأخيرة بين العرب والعجم
المناسبة
استجارة بها هند بنت النعمان "الحرقة" فأجارتها وقامت إلى قومها تعلنهم هذه الإجارة ضد كسرى وجيوشه بقولها: (من الكامل)
أحيوا الجوار فقد أماتته معًا ... كل الأعارب يا بني شيبان
ما العذر لقد لفت ثيابي حرة ... مغروسة في الدار والمرجان
بنت الملوك ذوي الممالك والعلى ... ذات الحجال وصفوة النعمان
أتهاتفون وتشحدون سيوفكم ... وتقومون ذوابل المران
وتسومون جنودكم يا معشري ... وتجددون حقيبة الأبدان
وعلى الأكاسر قد أجرت لحرة ... بكهول معشرنا وبالشبان
شيبان قومي هل قبيل مثلهم ... عند الكفاح وكرة الفرسان؟
لا والذوائب من فرع ربيعة ... ما مثلهم في نائب الحدثان
قوم يجيرون اللهيف من العدا ... ويحاط عمري من صروف زماني
تراد الهياج بنو أبي لا تتقي ... مسطى العدو وصولة الأقران
إني حجيجة وائل، وبوائل ... ينحو الطريد بشطبة وحصان
يا آل شيبان ظفرتم في الدنا ... بالفخر والمعروف والإحسان
1 / 11
المناسبة
وقم بنو شيبان بجوارها وبجوارها، وحاربوا جنود العجم، وكسروهم كسرة قبيحة، وغنموا منهم مغنم عظيمة، فقالت صفية في ذلك: (من البسيط)
ساقت فوارس شيبان لمعشرها ... خير الصنائع فيها طفرة العجم
غنمًا سبايا من الديباج فرشهم ... والتستري وأفنان من القسم
ثم النضار وفيه الدر منتظم ... واللؤلؤ العجم والمعرف بالنظم
أهدي أخي عمرو خير الغنم فانتظروا ... عند الصباح جباة الخيل بالخدم
يا آل شيبان بعد اليوم لا صدر ... عل الكفاح، وضرب متلف القمم
إني وعمرًا على وعد يفيء به ... من الوفاء، وأسباب من الذمم
هذا مقالي وقومي قائلون معي ... ما أقول، لسان صادق بفم
أنا الحجيجة من قوم ذوي شرف ... أولي الحفاظ وأهل العز والكرم
والعز فيهم قديم غير مقترف ... الجار فاعلم عزيزًا داره بهم
قولوا لكسرى أجرنا جارة فثوت ... في شامخ العز
يا كسرى
على الرغم
نحن الذين إذا قمنا لداهية ... لم تبتدع عندها شيئًا من الندم
نحيط جارتنا من كل نائبة ... ونرفد الجار ما يرضى من النعم
المناسبة
.. ثم إن قواد جند كسرى، أرسلوا رسولين إلى بني شيبان يطلبان إليهم أن تنزل (الحرقة) (هند بنت النعمان) على طاعة منصور (أحد قواد كسرى وهو عربي) وهو يبرئ ذمة الشيبانين مما فعلوا، فلقيا الحجيجة، فأبت وقالت لهما: (من البسيط)
قولا لمنصور لا درت خلائفه ... ما صاح فيهم غراب البين أو نعقا
1 / 12
من زوج الفرس يا متبول قبلكم ... من الأعارب يا مخذول أو سبقا
اختر ... عدمتك من فدم
أخاثقة
فانطق فإنك شر الناس إن نطقا
يا ويح أمك يا منصور إن لنا ... خيلًا كرامًا تصون الجار ما علقا
بالله لا نال منصور لجارتنا ... وكل جيش يجي يرجعنه فرقا
فمت بغيظك يا منصور وأحي على ... بغضاك قومي وشمر كل يوم لقا
واحذر تمنى فما تعطى مناك بها ... تلك الأماني تعيد الضعف والعرقا
آلت بنو بكر ترضى ما كتبت به ... يا ابن الدنية فاجعل إن أردت بقا
المناسبة
فحاربهم المنصور فكسروه، فرجع إلى كسرى فأمده بجند من العرب، يعدون عشرين ألفًا، في أموال كثيرة ومؤن وافرة، فلما علمت الحجيجة بأمرهم، قالت: (من البسيط)
ماذا أحاذر من عشرين يقدمهم ... منصور في حي غسان على نجب
من الجياد عليها الحي من يمن ... والعجم ترفل في الماذي واليلب
وعندي الأفقم الهماس في فئة ... منهم ظليم وعمار بن ذي كرب
وعقبة وعبادة والربيع إلى ... ذي العزة الفارس الحمال بالكثب
والصلت مع سالم والمالكان معًا ... ومسلم بعد بكر الفارس الأرب
ونافع وعمير والمروح في ... فرسان شيبان لا ميل ولا غضب
والأحوصان وأعواف وأحسبهم ... وابن المسيب من ذي الخيل بالقضب
يا عمرو، عمرو أجبني يا ابن ثعلبة ... يا شبه براق يوم القتل والسلب
لأجل عشرين ألفًا أضح صارخة ... في آل بكر وذا شيء من العجب
لا تكتشفوني بهذا اليوم وارتقبوا ... يومي لوقت اجتماع العجم والعرب
1 / 13
المناسبة
فهب القوم الذين ذكرتهم في شعرها، وتأهبوا للقتال وجاءتهم عساكر المنصور بجند كسرى، فكسرى المنصور، وتفرقة جنود بعد جلاد مذكور، وعاد إلى كسرى منهزمًا.. وجدد كسرى إرسال القوى العظمة، فأرسل الطميح (وهو من قواد كسرى وكان يضن بدماء قومه العرب أن يهدرها كسرى)، أرسله سرًا إلى بني شيبان يعلمهم ويحذرهم فأجابته صفية بهذه الأبيات: (من الكامل)
لله درك من نصيح صادق ... والنصح رأيك أيها الإنسان
والله يجزيك الذي أرسلته ... إن المهيمن واصل منان
أصبحت في شيبان حول صنائع ... فلتستعد لحملها شيبان
ناصحتهم وشركت في محدودهم ... والسر عندك فيهم إعلان
فلك الجزاء بمثلها في حادث ... لا تأمنن، وأين منك أمان
والدهر يأتي بالقصارى باقيًا ... فاعلم
فديتك
أنه خوان
ولسوف يدعوني غدًا فأجيبه ... ولسوف تقضى فرصه ويدان
لكن دون السلم سمرًا ذبلًا ... لمعاشري من معشر فتيان
وصوارم مشحوذة وسوابغ ... وأبو جياد كلهن حصان
واليوم يوم حجيجة من وائل ... جاءت بها الأنباء والأزمان
ولعمر جدك إن لحنا جنده ... فمعي له الشفرات والمران
1 / 14
شيبان قومي والأعارب دعوتي ... وعزيزة فيهم فلست أهان
قل للطميع: فدته فتيان الوغى ... عندي لكسرى القلب والأبدان
بالله أفزع من كثيف بجنوده ... وأنا وأن تجيب لدعوتي العربان
فليأت كسرى والأيافث بعده ... والترك والأدلام والحبشان
ولدي أبيض صارم ذو صعدة ... عند الكريهة باسل مطعان
وجني حرب في الحروب مجرب ... ولدى السلامة إنه إنسان
هزم الجيوش بجحفل من قومه ... لاقيه يوم لقائه خسران
عندي السلاهب والقواضب والقنا ... ومدججون، الشمط والشبان
وأنا الحجيجة من ذؤابة وائل ... وأنا المجيرة والقنا رعفان
يا وائل، ثوروا فذا ميقاتكم ... ولكل أمر يا جليل زمان
هذا زماني قد دنا ميقاته ... هذا الأوان لما زعمت أوان
أبلغ طميحًا يا رسول وقل له: ... بسيوف تغلب تغلب الأقران
لا تجزعن ربيعة إنهم أهل النصيحة ... يا فتى
شيبان
المناسبة
.. ثم قالت لقومها: أتستقيمون وتصبرون أم أستجير لي ولجارتي بقبائل غيركم، وأريكم العز الأعز والعديد؟ وقالت: (من البسيط)
ماذا ترون ... بني بكر فقد نزلت
كبرى الذوائب والأخرى على الأثر
أتصبرون لشعواء ململمة ... فيها الأعاجم بالنشاب والوتر
أم لستم أهل صبر في لوازمها ... عند الحفائظ والجارات والخفر
1 / 15
أني أجرت بكم يا قوم فاصطبروا ... فالصبر يحلل فوق الأنجم الزهر
إيهًا أجيبوا ... بني بكر
حجيجتكم
ما عند كم
ويحكم
من غاية الخبر
يا أيها الشم أنتم حافظو ذممي ... وأنتم
فلعمري
العز من عمري
إما صبرتم فلا أدعو لغيركم ... وإن جزعتم أنادي كل ذي حضر
بكل سام إلى الهيجاء ذي شرف ... واري الزناد كريم الجلد من مضر
ذي مرة لا يخاف الجند إن كثروا ... في سادة قادة معروفة صبرة
المناسبة
.. فأجابها قومها إلى طلبها، وقاموا على الاستعداد للقاء جند كسرى، فلما قدموا أقبلت صفية على قومها تحرضهم وتشجعهم فرقة فرقة وقبيلةً قبيلةً وخاطبت [من الأقوام] بني حنيف بقولها: (من الرجز)
إيهًا أجيدوا الضرب يا حنيفة ... فأنتم الجمجمة الشريفة
أهل اللقا، والعمدة المعروفة ... والعدة المنسوجة الموصوفة
حامي على أعراضك النظيفة ... الطاهرات
ويحك
العفيفة
إنا لجنود حولكم كثيفة ... فلا تهلكم وتزدكم خيفة
المناسبة
.. ثم أقبلت على بني لجيم، فقالت: (من الرجز)
لجيم قومي وبنو أبينا ... ليسوا لدى الهيجا مغلبينا
بل ظافرون وحماة فينا ... العز فيهم حين يلجمون
ويسرحون ثم يحملونا ... إيهًا بني الأعمام فانصرونا
1 / 16
المناسبة
.. ثم أقبلت على بني عجل وفيهم أبوها وأخوها: فقالت (من الرجز)
الفخر فخري بسراة عجل ... هم معشري في نجدهم والسهل
هم السراة وحماة الأهل ... والفائقون بشريف الفعل
والمنعمون بشريف البذل ... والناقمون بعريض الرجل
إيهًا أبيدوا جمعهم بالقتل ... ولا تكونوا غرضًا للنبل
واختلطوا فيهم بغير مهل
المناسبة
.. وأقبلت إلى بني ذهل، وأنشأت تقول: (من الرجز)
اليوم يوم العز لا يوم الندم ... يوم رماح وجياد وخدم
يوم به الأرواح جهرًا تصطلم ... سوف ترى البيض غداة المبتسم
للوائليات التي تحمي البهم ... يا آل بكر لا تهلكم العجم
من يحمي الخيام والنعم؟ ... ومن يطاعن تحت سربال القتم
أن صبرت ذهل فعزي اليوم تم
المناسبة
.. ثم جاءت إلى بني شيبان، فسارت وهم خلفهم وهي تقول: (من الرجز)
إيهًا بني شيبان صفًا بعد صف ... من يرد العلياء لم يخش التالف
من حاذر الموت تنحى ووقت ... إن الشجاع باسل فيه الصلف
إن تقبلوا نظفر، ونحذر ونخف ... وفي الفرار يولجوا فينا الأكف
اليوم يوم العز موصوف الشرف ... إن حافظت قومي فما بي من أسف
1 / 17
أنا ابنة العز وعرضي اليوم عف ... بكل نصل كالشهاب المختطف
نخطف قومًا قد عفونا بسرف
المناسبة
وحمل العرب على جنود كسرى (الذين كان يقود جنوده في تلك الواقعة، وقعة ذي قار) .. وتكاثر جنود العجم على العرب حتى كادوا ينهزمون، فقامت (الشاعرة الباسلة) صفية (بنت ثعلبة الشيبانية) تقطع الحبال، فسقطت النساء عن الجمال ورأى رجالهن ذلك، فعطفوا على القتال عطفة من لا يرجو الحياة. وصاحت بأعلى صوتها تنادي أخاها: (من الرجز)
يا عمرو يا عمرو الفتى بن ثعلبه ... حالم على جارتك المستقربة
وزاحم العجمان عند العقبة
المناسبة
.. فحمل أخوها والرجال حملةً صادقة، ولكن الكثرة كادت تفنيهم، وإذا ببني يشكر وعليهم ظليم بن الحارث قد جاؤوا مددًا لقومهم ضد كسرى، فأيقنت صفية عند ذاك بالنصر، فقالت لقومها: (من الرجز)
احمل ... ظلم
في العجاج الأسود
ففيه عرو كالهزبر الأربد
يضرب بالمشطب المهند ... بسعد ذي مجدة مؤيدً
1 / 20
أدرك فأنت غاية المستنجد ... واعد على القوم كعدو الأسد
بذي جنان كالصفاء الأصلد ... باليشكريين كرام المحتد
المناسبة
.. هجم اليشكريون، وفرجوا عن بني شيبان واشتد القتال ثم أفترق الجمعان، وفي اليوم الثاني اجتمعت صفية بالطميح سرًا، فقالت له تحرضه على خذلان كسرى: (من الخفيف)
ليس للعجم نصرة في عشيرة ... أن أراد الطميح نجل الكرام
إن تولت لنا إياد انهزامًا ... كان منهم هزيمة الأعجام
وملكنا العلو والفجر طول ... الدهر حتى أواخر الأيام
إن نصر الطميح أكرم نصر ... وحنو على بني الأعمام
[قال الراوي]: فوافقها (الطميح) على ذلك.
المناسبة
.. وفي اليوم الثني، نزل للقتال، وافترقوا، وكذلك في اليوم الثالث. وفي اليوم الرابع، جاءت صفية بالحرقة (هند بنت النعمان) وقالت لها كوني قريبة مني، وانتدبت فوارس قومها، ورأست عليهم أخاها عمرًا، وأنشأت تقول لهم، والحرقة واقفة بجانبها: (من الرجز)
يا عمرو يا من قد أجار الحرقة ... يا رأس شيبان الكماة المعرقة
يا فارس العادية المحققة ... اليوم يوم ما العيون أرقة
إذا رأت فيه دماء مهرقة ... والعجم صرعى جمعهم مفترقة
مقتولة تنقر شتى، قلقة ... أدرك شهابًا فهو اليوم الثقة
أكرم خيلي من سعى أو لحقه
وقالت للحرقة: هذا آخر يوم بيننا وبين هؤلاء القوم فأسفري على عمرو، وأوصيه
بما شئت، فأسفرت الحرقة (كشف عن وجهها) بوجه زاهر (أبيض)، وحسن باهر، وأنشدته شعرًا يأتي في ترجمتها.
المناسبة
قالت صفية تحرض أبا جدابة:
إن الجنود حثها طلابها ... والأرقميون فذا شهابها
مقدامها طعانها ضرابها ... زعيمها فارسها غلابها
متلافها مخلافها كتابها ... وأنت من بعد الفتى ثقابها
المناسبة
وكذلك (أنشدت صفية أبا حدابة):
إيهًا جداب سيد الأعراب ... يا معدن الطعان والضرب
يا طيب الأحساب والأنساب ... قم لي مقام سيدي شهاب
بالعزم والحزم وبالعذاب ... شمر وقم يأويك في النقاب
قد حال ديني واقتضى حسابي
(قال الراوي) ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا، وقتلوا أولاد الملك كسرى، وغنم العرب غنم العرب غنائم من الذهب والفضة والديباج واللؤلؤ، والدر وكل ثمين. وذلك إلى النصر المبين الذي تفوقت به العرب على العجم، وانتصفت منهم.
٢-الحرقة وهي هند بنت النعمان بن المنذر
ترجمتها جاء في الأعلام للزر كلي أنها حرقة بنت النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرئ
القيس، من بني لخم. شاعرة، من بيت الملك في قومها بالحيرة.
وقد فرق بينها وبين بنت أخرى للنعمان عرفت بهند (الصغرى)، وذكر أنه لما غضب كسرى على أبيها النعمان وحبسه ومات في حبسه، ترهبت ولبست المسوح.
وقد عمرت إلى ما بعد ظهور الإسلام وفتح الحيرة من قبل خالد ابن الوليد. زارها المغيرة بن شعبة والحجاج. وقدرت وفاتها عام ٧٤ هـ.
المناسبة
طلبها كسرى من أبيها النعمان زواج، فأنف أن يزوجها من أعجمي، فجند كسرى الجنود وفتك بالنعمان، وهربت الحرقة ملتجئة إلى بوادي العرب في خفاء.. بلغها وهي في بني سنان أن كسرى أرسل جندًا إلى بكر بن وائل فأرسلت تنذرهم بهذه الأبيات: (من الوافر)
ألا أبلغ بني بكر رسولًا ... فقد جد النفير بعنقفير
فليت الجيش كلهم فداكم ... ونفسي والسرير وذا السرير
كأني حين جد بهم إليكم ... معلقة الذوائب بالعبور
فلو أني أطلقت لذاك دفعًا ... إذًا لدفعته بدمي وزيري
المناسبة
أرسل كسرى صوائح في بلاد العرب، (تنادي) أن برئت الذمة ممن يحمي أو يؤوي الحرقة، فقالت الحرقة تتألف على حمود همة العرب وتخاذلهم أمام كسرى: (من الكامل)
لم يبق في كل القبائل مطعم ... لي في الجوار فقتل نفسي أعود
ما كنت أحسب والحوادث جمة ... أني أموت ولم يعدني العود
حتى رأيت على جراية مولدي ... ملكا يزول وشمله يتبدد
فدهيت بالنعمان أعظم دهية ... ورجعت من بعد السميذع أطرد
1 / 21
وغشيت كل العرب حتى لم أجد ... ذا مرة حسن الحفيظة يوجد
ورجعت في إضمار نفسي كي أمت ... عطشًا وجوعًا حره يتوقد
موتي بعيد أبيك كيف حياتنا ... والموت فهو لكل حي مرصد
يا نفسي موتي حسرة واستغني ... سيضم جسمك بعد ذاك الملحد
خاب الرجا، ذهب العزا، قل الوفا ... لا السهل سهل لا نجود أنجد
جمدت عيون الناس من عبراتها ... وقلوبهم صم صلاد جلمد
لا يرحمون يتيمة محزنة ... مقتولة الآباء نضوًا تطرد
تبغي الجور فلا تجار وقبل ذا ... كان المنادي للجوار يسود
فالموت فيه فرجة فتأيدي ... ليس المفزع قلبه يتأيد
أف لدهره لا يدوم سروره ... ولخصب عيش غضة يتنكد
ما الدهر إلا مثل ظل زائل ... وبدور شمس فارقتها الأسعد
وصروف هذا الدهر أعظم مطلبًا ... للأعظمين هلاكهم يتودد
أفهل رأيتم أسفلًا يفني كما ... يفني الأعالي الأسمحون السؤدد
لا ما أظن وللزمان بقية ... ووضيع قوم في الدنا لا ينجد
قومي تهيي للممات فإنه ... أولى بذي حزن إذا لا يسعد
المناسبة
ثم أجارتها الحجيجة، وهي صفية الشيبانية، وحارب قومها
كسرى جموعًا كثيرة وجاء يقودها بنفسه،
1 / 22
فلما اشتد البأس في الوقعة الأخيرة بين العرب والعجم، وهي وقعة ذي قار، رأس القوم عمرو بن ثعلبة الشيباني (أخو صفية) فسفرت الحرقة بين يديه، وقالت توصيه: (من الكامل)
حافظ على الحسب النفيس الأرفع ... بمدججين مع الرماح الشرع
وصوارم هندية مصقولة ... بسواعد موصولة لم تمنع
وسلاهب من خيلكم معروفة ... بالسبق عادية بكل سميذع
واليوم يوم الفصل منك ومنهم ... فاصبر لكل شديدة لم تدفع
يا عمرو يا عمرو الكفاح لدى الوغى ... يا ليث غاب في اجتماع الجميع
أظهر وفاء يا فتى وعزيمة ... أتضيع مجدًا كان غير مضيع
المناسبة
وقالت أيضًا بعد الفوز بالوقعة: (من الطويل)
رغمنا بعمرو أنف كسرى وجنده ... وما كان مرغومًا بكل القبائل
هذا قصارى الأمر فاحمل محسرًا ... لكميك ما بين الظبا والذوابل
المناسبة (من الطويل)
وقالت (الحرقة):
لقد حاز عمرو مع قبائل قومه ... فخارًا سما فوق النجوم الثواقب
هم قلدوا لخمًا وغسان منة ... بسمر القنا والعاديات الشوازب
وكل غلام بالمكرة باسل ... أبي (جريء) للحروب مطالب
يقلب عسالًا ويندب صارمًا ... ويلبس يوم الروع ثوب المحارب
حمتني بنو شيبان والحي تغلب ... بقب المذاكي وسيوف القواضب
1 / 23
نجوت بعمرو من مطامع كيسر ... وعدو شهاب يوم روع المقانب
ولله مولاهم جدابة نعم ما ... يدبر في كل الأمور اللوازب
بأسمر عسال وأبيض قاطع ... وأكمت وردي وعين مراقب
وكم فرج منه علينا بغارة ... وكم حملة يوم التقاء الكتائب
المناسبة (من الكامل)
قالت الحرقة تمدح الحجيجة وقومها بني شيبان، بعد (انتصارات ذي قار):
المجد والشرف الجسيم الأرفع ... لصفية في قومها يتوقع
ذات الحجاب لغير يوم كريهة ... ولدا الهياج يحل عنهم البرقع
نطقاء لا لوصال خل نطقها ... لا بل فصاحتها العوالي تسمح
لا أنس ليلة إذ نزلت بسوحها ... والقالب يخفق والنواظر تدمع
والنفس في غمرات حزن فادح ... ولهم الفؤاد كئيبة أتفجع
مطرودة من قتل أبوتي ... ما إن أجار ولم يسعني المضجع
ويئست من جار يجير تكرمًا ... فتحل عن عيسي لديه الأنسع
وأتاني الراعي يحف قناعها ... فأجرت واندملت هناك الأصلع
وتواردوا حوض المنية دون أن ... تسبى خفيرة أختم واستجمعوا
وألح كسرى بالجنود عليهم ... وطميح يردف بالسيوف ويدفع
كم زادهم من غارة ملمومة ... بالقب تعطب والأسنة تلمع
وهم عليه واردون بطرفهم ... والنصر تحت لوائهم يترعرع
1 / 24
حتى غدا الفرس في أجناده ... والقول جرحى والمذاكي ظلع
فهناك أرجفت البلاد ومن بها ... الأحياء من يمن ومن يتربع
وتحيروا فشفت صفية مفخرًا ... ودعت قبائل شرها لا يقلع
منها شهاب مع ظليم وشعثم ... وجدابة في حرها يتلفع
آجامها فيها الصوارم والقنا ... والسابرية والوشيج الشرع
فرأيت عند الخيل فيها شعثما ... مثل الحمام إلى المورد يقلع
وجدابة كالفحل يضرب أينقًا ... وشهاب يضرب بالحسام ويوجع
وأعطاها بنو شيبان ألف ناقة وكثيرًا من الهدايا الثمينة وأكرموها غاية الإكرام، وقد تزوجت بعد ذلك المنذر بن الريان أحد أبناء الملوك وقد أسلم وقتل بين يدي الرسول ﵇ في وقعة أحد هو وحمزة ﵁.
المناسبة
(ثم إن الحرقة بنت النعمان) أتت سعد بن أبي وقاص في الحيرة، بعد وقعة القادسية، (فجعلت) تشكو أمرها إليه (قائلة): (من الطويل)
فبيننا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف
فأكرمها سعد وحفظ لها مقامها وعاملها معاملة العظماء وخرجت من عنده مغتبطةً وسألها الناس: ما صنع بل الأمير؟ فقالت:
صان لي ذمتي وأكرم وجهي إنما يكرم الكريم الكريم
1 / 25
٣-أم أبي جدابة
ترجمتها عرف عنهم أنها أم أبي جدابة الشيباني، الذي قاتل العجم مع بني شيبان واستبسل. وقد أغضبها انتصاره لبني شيبان وقتاله للمنصور الذي كان قائد جيش كسرى وهو من بني قرابتها. وعهدها أوائل البعثة النبوية وما قبلها. (من الرمل)
المناسبة
كان أبو جدابة الشيباني قد انتصر لبني شيبان في حربهم مع كسرى، ووقف ضد المنصور قائد جيش كسرى وهوى من أقاربها، فأغضبها من ولدها هذا الموقف، فقالت: (من الرمل)
بئسما ربيته من ولد ... قد رجوت النصر فيه والظفر
عاقه مقدور سوء فانثنى ... وارتوى بالعار والرأي الأشر
قبح الله لباني إنه ... كلبان البكر من بغل أغر
أيها الناس أفيقوا وانظروا ... فلقد جاء بأمر مشتهر
قاتل الأعماق والخال له ... جاهل في الدهر في هتك النفر
معشر منهم ضرار وابنه ... ويزيد ونفيع وعمر
لا سقى الله أرضيهم حيًا ... ووليد غاله سوء القدر
وتقضى أملي منه ولا ... عاش في خير ولا أقضي وطر
وشهاب قد صبا فيمن صبا ... ليس عمري فيه سمع وبصر
يمنح المعرفة غير أهله ... ويحلي الدر طينا وحجر
كان جساس وقد أهدى له ... في كليب عمه ضوء القمر
فبنو شيبان خلصان له ... أهل نصح وصفاء مشتهر
فلحاه الله عني رجلا ... ورمى ابني بسهم من وتر
1 / 26
٤-هند بنت بياضة الإيادية
ترجمتها تنتمي إلى إياد بن نزار بن معد بن عدنان. وبنو إياد قبائل كثيرة د خلوا على الفرس وأغاروا على جوانبهم، فاستهدفوا وجه إليهم كسرى جيوشه
ولم تعرف عن هند أخبار تذكر
المناسبة
قالت في جموع وجهها كسرى لإياد: (من الطويل)
دعينا لأضياف وقد نزلوا بنا: ... رفيدة والقين بن حبس وعامر
وقد نزلت بهراء خلف بيوتنا ... كما نزلت تبغي قران الأساور
فما إن لبثنا ساعة بقراهم ... وقد يحمد الرافد السريع المبادر
٥- زوجة قراد بن أجدع
ترجمتها
لم تترجم لها المراجع.
المناسبة
كان زوجي الشاعرة واسمه قراد بن الأجدع، قد كفل الرجل الطائي الذي حكم عليه النعمان بالموت، لأنه قد جاءه في يوم نحسه، فاستمهله الرجل حتى يودع أهله، فلما تأخر الطائي عن موعده وضعوا زوجها على النطع (جلدة الإعدام) لينفذ فيه القتل. فقالت:
أيا عين بكي قراد بن أجدعا ... رهينًا لقتل لا رهينًا مودعا
أتته المنايا بغتة دون قومه ... فأمسى أسيرًا حاضر البيت أضرعا
1 / 27
٦-هند بنت معبد من بني أسد
المناسبة
كان جدها ينادم النعمان فسكر وأمر بقتله مع عمرو بن مسعود فقالت ترثيهما من قصيدة: (من الطويل)
ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
المناسبة
وقالت في الرثاء: (من الكامل)
أميم هيهات الصبا ... وأطار عني الحلم جهل غرابي
أين الأولى بالأمس كانوا جيرة ... أمسوا دفين جنادل وتراب
ماتوا ولو أني قدرت بحيلة ... لأحدث صرف الموت عن أحبابي
ما حيلتي إلا البكاء عليهم ... إن البكاء سلاح كل مصاب
المناسبة
وقالت ترثي ابن عمها خالد بن حبيب:
أمس بواكيك مللن البكا ... وشر عهد الناس عهد النسا
فابن حبيب فابكيا خالدًا ... لجفنةٍ ملأى وزق روى
وابن حبيب فابكيا خالدًا ... لطعنة يقصر عنها الإسا
إن تبكيا لا تبكيا هينا ... وما بما مسكما من خفا
إذ يخرج الكاعب من خدرها ... يومك لا تذكر فيه الحيا
أحلى من التمر وأحمى من الجمر ... وأبى عند جد الإبا
1 / 28
٧- عفيرة بنت عفان الجديسية
كان عميلق ملك جد يس وطسم (وهو من طسم) ظالمًا قد تمادى في غوايته حتى قيل إنه جاءه بعضهم فاحتكموا إليه في أمر فحكم حكمًا غير عادل فقالت امرأة من جديس:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأنفذ حكمًا في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورعًا ... ولا كنت فيما يبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وإني لعترتي ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فلما سمع عمليق قولها أمر أن لا تهدى امرأة من جديس إلى زوجها قبل أن تقدم إليه.
وزوجت (عفيرة) فانطلقوا بها إلى عمليق، فافترعها وخلى سبيلها، فخرجت إلى قومها في أقبح منظر وهي تقول: (من الرجز)
لا أحد أذل من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس؟
يرضى بهذا يا لقومي حر؟ ... أهدى وقد أعطى وسيق المهر
لأخدة الموت كذا لنفسه ... خير من أن يفع ذا بعرسه
وقالت تحرض قومها بهذه الأبيات: (من الطويل)
أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد النمل
وتصبح تمشي في الرغام عفيرة ... عفيرة زفت في النساء إلى بعل
1 / 29
ولو أننا كنا رجالًا وكنتم ... نساء لكنا لا نقر بذا الفعل
فموتوا كرامًا أو أميتوا عدوكم ... ودبوا لنار الحرب بالحطب الجزل
وإلا فخلوا بطنها وتحملوا ... إلى بلد قفر وموتوا من الهزل
فللبين خير من تماد على أذى ... وللموت خير من مقام على الذل
وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تعاب من الكحل
ودونكم طيب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللنسل
فبعدًا وسحقًا للذي ليس دافعًا ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل
٨ - أخت الأسود بن غفار
نهت قومها (جديس) عن الغدر بقبيلة سم فعصوها، فقالت:
لا تغدروا إن هذا الغدر منقصة ... وكل عيب يرى عيبًا وإن صغرا
إني أخاف عليكم مثل تلك غدًا ... وفي الأمور تدابير لمن نظرا
شتان باغ علينا غير مؤتيد ... يغشى الظلامة لن تبقي ولن تذرا
1 / 30
ترجمتها
لم تورد لها المراجع ترجمة.
المناسبة
ذكرت في تقديم الأبيات، ويبدو أن قبيلتي طسم وجديس أبادتهما الحروب بينهما، ومع الفرس.
٩ - عمرة بنت الحباب التغلبية
ترجمتها
لم ترد لها ترجمة في الأعلام.
المناسبة
لطمها زوجها لبيد بن عنبسة الغساني الوالي على ربيعة من قبل ملوك اليمن لقول قالته مفتخرة بكليب سيد وائل، فقالت له: أنا أكرم منك، وذهبت مغضبة إلى كليب، فقالت له: (من الكامل)
ما كنت أحسب والحوادث جمة ... أنا عبيد الحي من غسان
حتى علتني من لبيد لطمة ... سجرت لها من حرها العيتان
إن ترض تغلب وائل بفعالهم ... تكن الأذلة عند كل رهان
لولا الوجيهة قطعتني بكرة ... جرباء مشعلة من القطران
(قال الراوي): فخرج كليب إلى لبيد حتى صدع هامته بالسيف.
1 / 31