53

شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة

تصانيف

قضى عمر بن أبي ربيعة أكثر أيامه في معاشرة النساء، ونظم أكثر شعره في وصف محاسن النساء، فمن الطبيعي أن يقع في الخاطر أنه كان صاحب ذوق مأثور في جمال المرأة، يسأل عنه من يكتب تاريخه وينقد شعره، ويرده إلى مزاجه وشعوره.

والمشهور أن الرجل الذي يخالط النساء يعرف جمالهن، ويصبح حجة فيه، ويتذوق من شمائله ما ليس يتذوقه الآخرون.

ولكن هذه الشهرة وهم كسائر الأوهام الشائعة التي تتلقفها الأسماع ارتجالا، ثم لا تثبت على المراجعة والتمحيص.

فلا الرجل «زير النساء»، ولا الرجل «العاشق» بالحجة في ذوق الجمال؛ لأن زير النساء موكل بحب الأنوثة في المرأة، ينظر إليها قبل أن ينظر إلى جمالها، ولأن العاشق موكل بحب «شخصية» معينة تستهويه كائنا ما كان حظها من الجمال، ولهذا يحب المرأة، ويؤثرها على سائر بنات جنسها، وأمام عينيه منهن من هو أجمل منها وأوفر حظا من المحاسن والمغريات.

مثل الرجل «زير النساء» في هذا مثل الرجل الأكول يلتهم كل ما صادفه من المأكول، فليس هو بالحجة في التمييز بين الأطعمة والطعوم.

ومثل الرجل «العاشق» في هذا مثل الرجل المولع بصنف واحد من المآكل، فهو مصدوف عن كل ما عداه، ولو كان فيه ما هو أفضل في التغذية وأمتع في اللذة.

فلا هذا ولا ذاك يسأل في صناعة الطهو ومتعة الطعام، وإنما يسأل عنهما الرجل الصحيح، الذي يملك ذوقه، فلا يصرفه صارف عن تمييز الحسن السائغ حيث كان.

وكذلك يسأل عن جمال المرأة من يرى ويقابل ويستكثر من الرؤية والمقابلة، وهو ناظر في كل ما يراه بعين المساواة والاختبار.

وجائز أن يكون زير النساء حجة في ذوق الجمال، ولكنه لا يكون كذلك لأنه زير نساء.

وجائز أن يكون العاشق حجة في ذوق الجمال، ولكنه لا يكون كذلك لأنه عاشق.

صفحة غير معروفة