36

شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة

تصانيف

فقال جرير: «إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه وأصابه هذا القرشي.»

ومما نسب إلى جرير أيضا أن رجلا من أبناء المدينة استنشده فلم يجبه وقال: «إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي.»

وسئل حماد الراوية عن شعره فقال: «ذلك الفستق المقشر!»

فهذه الشهادات وأمثالها تدل على شيء واحد لا تعدوه، وهو الشهرة بالنسيب بين أبناء عصره، ولكنها لا تؤخذ مأخذ الجد ولا تصمد على المناقشة في معرض النقد الصحيح، وأولها ما روي عن فحول الشعراء من معاصريه كجرير والفرزدق ونصيب؛ لأن الشعر الذي زعموا أنه أرغمهم على الشهادة لعمر وتفضيله عليهم ليس مما يرغم المكابر ولا المنافس ولا المنصف الخلي من الغرض، إن شاء أن ينكره ولا يعترف بتفضيل، فإن كان الاعتراف بالتفضيل مجاملة ومسايرة للمحادث فليس هو إذن بالنقد الذي يؤخذ به في تمحيص الأقدار وموازنة الأشعار.

ويساوي هذه المجاملة في قيمة الشعر قولهم: إن العرب أنكرت على قريش الشعر حتى ظهر ابن أبي ربيعة فاعترفت لهم به وكفت عن المنازعة.

فمتى حصل ذلك؟ وكيف كان حصوله؟ في أي مؤتمر وفي أي محضر؟ وعلى أي صورة تبين الإنكار والمنازعة ثم تبين الاعتراف والتسليم؟ لا مؤتمر ولا محضر ولا إشهاد بإنكار ولا بتسليم. وهذا فضلا عن تكرر هذه الشهادات من هؤلاء الشاهدين أنفسهم لشعراء آخرين غير عمر بن أبي ربيعة وبعضهم من معاصريه. فمشيخة قريش التي تقدم ذكرها هي بعينها التي روى صاحب الأغاني عنها في ترجمة «الغريض» أنها اتفقت على اختيار ابن قيس الرقيات شاعرا لقريش في الإسلام، ونصيب هو الذي قال كما روى صاحب الأغاني أيضا: «لقد نحت (جميل) للناس مثالا يحتذون عليه. أما أصدقنا في شعره فجميل وأما أوصفنا لربات الجمال فكثير، وأما أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة، وأما أنا فأقول ما أعرف ...»

فأمثال هذه الشهادات كلام يقال ولا محصول له، إلا أن الشاعر مشهور مشهود له بالتفوق في بابه بين جمهرة عارفيه، ولا غنى عن الرجوع إلى الشواهد عند تقدير هذه الشهادة وتقويمها بما يثبت لها من قيمة صحيحة.

ومحصل هذه القيمة كما تدل عليه الشواهد من أقوال الرجل وملكاته أنه كان بمولده ومزاجه ومعيشته وبيئته وشارته أصلح الشعراء في عصره لإمامة هذه الطريقة، التي فرغ لها وتقدم فيها، وأنه يأتي بالروائع بين الشعراء، لما يبدو عليه في أكثر كلامه من الفتور والإعياء.

فمن روائعه التي جرت مجرى الأمثال، قوله في بيان أقصى مدى الحب:

حبكم يا آل ليلى قاتلي

صفحة غير معروفة