سبع مسائل في علم الخلاف
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة-العدد الثاني-رجب ١٣٩٣هـ
سنة النشر
أغسطس ١٩٧٣م
تصانيف
أَن ذَلِك وَقع بَين يَدَيْهِ ﷺ وَأقرهُ فالصحابة اخْتلفُوا فِي فهم أوامره وأقواله أفهامًا مُتَغَايِرَة فَلم يعنف عَلَيْهِم وَلم يوبخهم بل كَانَ يسكت أَحْيَانًا ويعينهم على فهم المُرَاد أَحْيَانًا وأوضح دَلِيل على ذَلِك حَدِيث الصَّلَاة فِي بني قُرَيْظَة١ وَحَدِيث عدي بن حَاتِم فقد فَهِم من قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ ظَاهر اللَّفْظ فَاتخذ خيطين فِي وسادته أَبيض وأسود فَلم يزدْ ﷺ على أَن قَالَ لَهُ: "إِن وِسَادَتك إِذا لَعَرِيض إِنَّمَا هُوَ سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار" ٢.
وَإِنَّمَا ورد عَنهُ ﷺ التعنيف على من تعرض للِاجْتِهَاد بِغَيْر علم وَأفْتى بِغَيْر بَصِيرَة وَلم يتثبت كَمَا قَالَ ﷺ فِي الَّذين أفتوا المشجوج فِي رَأسه بِوُجُوب الْغسْل فَمَاتَ فَقَالَ ﷺ لما بلغه ذَلِك: "قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله هلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا إِنَّمَا شِفَاء العيّ السُّؤَال" ٣.
وكل مَا ورد من النُّصُوص فِي ذمّ الِاخْتِلَاف فَالْمُرَاد بِهِ الَّذِي يخرج عَن حُدُود الشَّرْع وآدابه، وَلَا يكون الْمَقْصُود بِهِ الْحق بل الْهوى والعصبية، وَكَذَلِكَ كل خلاف يتمرد على الحَكَم الَّذِي أوجب الشَّرْع الرُّجُوع إِلَيْهِ، أَو المُرَاد بِهِ الِاخْتِلَاف فِي أصل العقيدة، وَمَا أخبر بِهِ ﷺ من وُقُوع الِاخْتِلَاف فِي أمته فَهُوَ التَّفَرُّق والانقسام، وَلذَلِك حذَّر مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْفرق الثَّلَاثَة وَالسَّبْعُونَ الَّتِي ذكر أَنَّهَا كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة، فَإِن المُرَاد بهَا الِاخْتِلَاف فِي العقائد وَفِيمَا أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلذَلِك عبر بقوله (سَتَفْتَرِقُ) وَلم يقل (ستختلف) لِأَن مُطلق الِاخْتِلَاف وَقع حَتَّى بَين أَصْحَابه، وَلَعَلَّ بعض
_________
١ مُتَّفق عَلَيْهِ.
٢ رَوَاهُ البُخَارِيّ.
٣ ابْن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد وَأحمد والدارمي وَالدَّارقطني.
1 / 73