سبع مسائل في علم الخلاف
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة-العدد الثاني-رجب ١٣٩٣هـ
سنة النشر
أغسطس ١٩٧٣م
تصانيف
لهَذَا الشَّرْع الْعَظِيم لَا تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الزَّمَان وَلَا بِتَغَيُّر الْمَكَان وَمن تردد فِي التَّسْلِيم بهَا أَو شكّ فِي أمرهَا فقد شَذَّ عَن الْملَّة وشق عَصا الْمُسلمين فَقَوله مَرْدُود وخلافه بَاطِل..
أما مَا سوى القطعيات من مسَائِل الشَّرْع وَقد يسميها بَعضهم - الظنيات - فَهِيَ مَحل للِاخْتِلَاف ومجال للِاجْتِهَاد، تتنوع فِيهَا الأفهام وتختلف الآراء، وَقد دَعَا الشَّرْع إِلَى إِعْمَال الْفِكر وَاسْتِعْمَال الْعقل فِي إِدْرَاك مَعَانِيهَا واستخراج أَحْكَامهَا وعللها وأوجهها ومراميها، وَفتح الْبَاب لأهل النّظر وَفِي الْفِكر وَذَوي الْعُقُول والألباب ليجتهد كل حسب مَا أُوتِيَ فَإِن شرعنا الْعَظِيم جَاءَ لتحرير الْعقل من الأغلال الَّتِي كَانَ يرزح تحتهَا ومنحبسًا فِي سردابها، وَأول قيد حطمه - الجمود والتقليد - فشنع على كل من عطل عقله وَأسلم قياده لَهما قَالَ تَعَالَى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ﴾ الْأَعْرَاف - ١٧٩.
وَهل أنزل الْقُرْآن وفُصلت الْآيَات وضُربت الْأَمْثَال إِلَّا ليتفكر النَّاس ويستعملوا عُقُولهمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ النَّحْل - ٤٤.
وَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ الْبَقَرَة - ٢١٩.
وَقَالَ: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الْحَشْر - ٢١.
وَقد حث الْقُرْآن على التفكير وذم الجمود وتعطيل الْعقل وَوَصفه بالعمى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾ الْأَنْعَام - ٥٠.
وشنع على التَّقْلِيد الَّذِي يمْنَع الْإِنْسَان من قبُول الْحق ويعطل فهمه وفكره وَقد كَانَ ذَلِك من أعظم أَسبَاب ضلال الْكفَّار وعنادهم ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ الزخرف - ٢٣.
1 / 71