مواعظ الصحابة لعمر المقبل
الناشر
مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٥ هـ
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
وقال الذَّهبيُّ: «الوعظ فنٌّ بذاته، يحتاج إلى مشاركةٍ جيِّدةٍ في العلم، ويستدعي معرفةً حسنةً بالتفسير، وإكثارًا من حكايات الفقراء والزُّهاد» (١).
وههنا معنى مهمُّ يتعلَّق بالوعظ، شكا منه الصحابة ﵃ وخافوا على أنفسهم من النِّفاق بسببه، فبيَّن لهم النبيُّ ﷺ وجه الصواب؛ ذلك أنَّ حنظلة الأسيِّديَّ ﵁ قال: لقينى أبو بكرٍ، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله ﷺ يذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله ﷺ، عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنَّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكرٍ، حتى دخلنا على رسول الله ﷺ، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ (وما ذاك؟)، قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنَّا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا! فقال رسول الله ﷺ: (والَّذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً) ثلاث مرَّاتٍ (٢).
يوضِّح ابن الجوزي ﵀ هذا المعنى فيقول:
«قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظةٌ، فإذا انفصل عن مجلس الذِّكر، عادت القسوة والغفلة، فتدبَّرت السبب في ذلك، فعرفته، ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أنَّ القلب لا يكون على صفه من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها؛ لسببين:
_________
(١) زغل العلم (ص٤٩).
(٢) صحيح مسلم (٤/ ٢١٠٦).
1 / 9