سلسلة القصص - المنجد

محمد صالح المنجد ت. غير معلوم
77

سلسلة القصص - المنجد

تصانيف

شرح بعض ألفاظ الحديث هذا الحديث يقول فيه أبو بكر الصديق ﵁: (خرجت ألقى رسول الله ﷺ، وأنظر في وجهه، والتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال النبي ﷺ: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله). وفي رواية مسلم: (خرج رسول الله ﷺ ذات يومٍ أو ليلةٍ فإذا هو بـ أبي بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟) الساعة غير المعتادة التي لا يخرج فيها الناس عادة. (قالا: الجوع يا رسول الله! قال: وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما) وهذا فيه بيان ما كان عليه النبي ﷺ وكبار أصحابه من التقلُّل من الدنيا، وما ابتُلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات (فقال لهم: فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم الأنصاري): وأبو الهيثم ﵁، اسمه: مالك بن التَّيْهان أو ابن التَّيِّهان. قال أبو هريرة: (وكان رجلًا كثير النخل والشاء -والشاء هي الغنم، جمع شاةٍ- ولم يكن له خدم، فما وجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبكِ؟) وفي رواية مسلم: (فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا! فقال لها رسول الله ﷺ: أين فلان؟ فقالت: خرج يستعذب لنا الماء): أي: يطلب لنا الماء العذب الذي لا ملوحة فيه. (ثم بعد ذلك جاء أبو الهيثم رضي الله تعالى عنه بقربةٍ يزعبها) ومعنى (يزعبها) أي: إنه احتملها وهي ممتلئة، يتدافع بها ويحملها لثِقَلِها. فلما رأى النبيَّ ﷺ هشَّ له غاية الهشاشة، والتزمه وعانقه وضمَّه إلى نفسه، ثم انطلق بهؤلاء الثلاثة الضيوف الكرام إلى حديقته، الروضة ذات الشجر، فجاء بقِنْوٍ وهو: العِذْق من الرُطَب، فجاءهم بعِذْق فيه بُسْر وتَمْر ورُطَب، ولما جاء به وضعه بين أيديهم (فقال ﵊: أفلا تنقَّيت لنا من رُطَبه؟ -أي: اخترتَ لنا من الرُطَب- فقال أبو الهيثم: إني أردتُ أن تختاروا أو تخيروا من رُطَبه وبُسْره) وثمر النخلة عندما يطْلُع يكون طَلْعًا، ثم بعد ذلك يصبح بَلَحًا، ثم بعد ذلك يصبح بُسْرًا، ثم بعد ذلك يصبح رُطَبًا. (ولما أكل النبي ﷺ قال: هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة) وفي رواية مسلم: (فلما أن شبعوا وروَوا قال رسول الله ﷺ لـ أبي بكر وعمر: والذين نفسي بيده لتسألُنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم!). ولما أراد الرجل أن يذبح لهم شاةً قال النبي ﷺ: (لا تذبحنَّ ذات دَرٍّ) أي: ذات لبن، وفي رواية مسلم: (إياك والحلوب، فذَبَح لهم عَناقًا -وهي الأنثى من أولاد المَعْز- أو جَدْيًا -وهو الذكر من أولاد المَعْز- وقدَّمه إليهم، ثم قال له النبي ﷺ: هل لك خادم؟ -لأن هذا المال يحتاج إلى من يخدمه- قال: لا، فقال: فإذا أتانا سبي -أي: مِن أسارى المشركين- فائتنا، فجيء للنبي ﵊ برأسين من العبيد، وجاء أبو الهيثم، فقال ﵊: اختر منهما -اختر واحدًا منهما- فقال: اختر لي يا رسول الله! فقال النبي ﷺ -توطئةً وتمهيدًا قبل الاختيار-: إن المستشار مؤتمَن) أي: إن الذي يُطلَب منه الرأي وتطلب منه النصيحة لا بد أن يؤدي الأمانة، ولا يجوز له أن يخون المستشير بأن يكتم ما فيه مصلحة له. فأشار ﵊ إلى واحدٍ منهما وقال: (خذ هذا، فإني رأيته يصلي) ظهر على هذا الأسير آثار الصلاح، وكان يصلي، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فأعطاه هذا الرجل، وقال له: استوصِ به معروفًا أي: اصنع به معروفًا، وأحسن إليه. ثم إن النبي ﷺ لما أعطاه هذا العبد، رجع إلى بيته فقال لامرأته: (إن النبي ﵊ أوصاني بأن أستوصي به خيرًا. فقالت المرأة: ما أنت ببالغٍ ما قال فيه النبي ﷺ إلا أن تعتقه -أي: أحسن شيء تستوصي به خيرًا أن تعتقه- فقال الرجل: هو عتيق) متى ما تلفظ الإنسان بالعتق وقع العتق. فقال النبي ﵊ على إثر ذلك: (إن الله لم يبعث نبيًا ولا خليفةً إلا وله بطانتان) والبطانة: هم خاصة الرجل الذين يعرفون أسراره لثقته بهم، شبَّههم ببطانة الثوب؛ لأن البطانة مما يلي الجسد من الداخل، فشبه الخاصة -المجلس الخاص للإنسان، أصحاب سره وأهل ثقته- شبههم بالبطانة مِن قُرْبِهم للرجل ومِن علمهم بباطنه وحقيقة أمره وأسراره، هؤلاء هم البطانة. قال: (إن الله لم يبعث نبيًا إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف -وهو ما عرفه الشرع وحكم بحسنه- وتنهاه عن المنكر -وهو ما أنكره الشرع ونهى عن فعله- وبطانة لا تألوه خبالًا) أي: لا تقصِّر في إفساد أمره، كقوله تعالى: ﴿لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ [آل عمران:١١٨] يأمرونه بالشر، ويسعون في إفساده. (ومن يوقَ بطانة السوء فقد وُقِي). هل النبي ﵊ وهو نبي له بطانتان؟ قيل: إن المراد بالبطانتين في حق النبي: الملَك، والشيطان، وشيطان النبي ﵊ قد أَسْلَمَ، أعانه الله عليه فدخل في الإسلام، وقيل: أَسْلَمُ، أي: أَسْلَمُ مِن شره، فما من نبي ولا غيره من الخلفاء إلا وله بطانتان. وقال ﵊: (من ولِي منكم عملًا فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا، إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه) ولو أن الإنسان لم يوجد له بطانة من الشر، فإن نفسه أمارة بالسوء (ومن يُوقَ بطانة السوء فقد وُقِي) الذي يَمنعه الله من بطانة السوء ويعصمه الله من بطانة السوء فقد وُقِي الشر كله.

4 / 3