عبد الله بن سبأ اليهودي هو من أثار الفتنة على عثمان
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيأيها الأحباب! أعيروني القلوب والأسماع؛ لنعيش بعض الدقائق مع هذه الفتنة الحالكة التي انتهت بمقتل الخليفة الراشد ﵁ وأرضاه.
نشأت الفتنة على يد اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ المكنى بـ ابن السوداء، هذا الرجل الذي دخل في الإسلام في ظروف غامضة! وانتحل الإسلام، وادعى حرصه وغيرته الشديدة على قيمه وحدوده وحرماته! وانطلق ابن السوداء إلى المدينة المنورة؛ ليدرس أحوال المدينة في صمت وخبث ودهاء، وليتسمع أخبار الأمصار والأقاليم، وليرسم خطته بإحكام وإتقان، ولما انتهى من رسم الخطة انطلق في الأمصار وفي البلاد؛ لينفث سمومه الكبيرة! ووجدت هذه السموم بعض الآذان الصاغية من الموتورين! وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان، حتى في عهد رسول الله ﷺ.
وانطلق هذا الرجل الخبيث بهذه العبارة الخطيرة، وبهذه الفتنة الكبيرة التي بدأها بالطعن في خلافة عثمان ﵁ وأرضاه، وقال عبارته الشهيرة: إن لكل رسول وصيًا، وإن عليًا وصي رسول الله ﷺ، وإن عثمان وثب على الأمة، وأخذ الحق من صاحبه! هذه هي بداية الفتنة، وانطلق في البلاد والأمصار، فبدأ بالبصرة، ثم ذهب إلى الكوفة، ثم إلى الشام، ثم إلى مصر، ونجح ابن السوداء في أن يستقطب بعض الموتورين من ضعفاء النفوس وأصحاب أمراض القلوب، واتفقوا جميعًا تحت هذه المظلة التي تخدع الكثير والكثير في كل زمان ومكان! ومما قال لهم محببًا لمنهجهم: تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -انظروا إلى المنهج! - لتستميلوا الناس إليكم! وابدءوا بالطعن في أمرائكم، وقولوا: إن عليًا وصي رسول الله ﷺ، وإن عثمان قد اعتدى عليه، وأخذ الحق من صاحبه، فانهضوا؛ لتردوا الحق إلى أهله! واتفق هؤلاء على أن يلتقوا جميعًا بالمدينة المنورة، وخرجوا وقد تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبلغوا الناس أنهم ما خرجوا إلا للقاء عثمان ﵁ وأرضاه؛ ليستعفوا بعض عماله، ووصلوا إلى المدينة المنورة في أعداد تقل قليلًا عن ثلاثة آلاف رجل، في الوقت الذي كان فيه أصحاب النبي ﷺ في البعوث والغزوات، بل ومنهم من خرج إلى حج بيت الله الحرام.
ولما سمع عثمان الخبر أرسل إليهم رجلين من بني مخزوم من رجاله، فوصل الرجلان إلى القوم فعلما حقيقة الأمر، وأن القوم ما خرجوا إلا لأمرين: إما لخلع عثمان، أو لقتله.
8 / 11