التكامل والشمول في حقيقة الكون والحياة والإنسان
وبهذا التكامل والشمول في جانب تصور الإله الذي ينبغي أن يعبد، قدم المنهج التربوي أيضًا بتكامله وشموله حقيقة هذا الكون والحياة والإنسان، فأخبر أن الكون كله ما خلق بالهزل: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:١٦-١٧] وأن هذا الكون بما اكتشف الإنسان فيه بأمر الله، وبما لم يتكشف بقدر الله، -باستثناء كفرة الجن والإنس- ساجد لله مسبح بحمد مولاه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:١٨] ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء:٤٤] وبنفس هذا التكامل والشمول قدم المنهج التربوي تصورًا عن حقيقة الإنسان: مم خلق؟ وما هي غاية وجوده؟ وما هو مصيره؟ فقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون:١٢-١٤] .
مم خلق؟ أجاب المنهج التربوي الإسلامي الرباني.
وما هي غاية وجوده في هذه الحياة؟ قال الله جل وعلا -بعدما أعلن كرامته وتكريمه-: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:٧٠] وفي مقابل هذا التكريم حمله الله بأمانة عظيمة ومسئولية كبيرة، فقال سبحانه: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:٧٢] .
أقول: أيها الأحبة الكرام! بهذا التكامل والشمول قدم المنهج التربوي الإسلامي الرباني تصورًا لحقيقة الحياة، بعدما قدم تصورًا لحقيقة الإنسان ولحقيقة الكون، فأخبر أن هذه الحياة ليست غاية وليست هدفًا، ولكنها وسيلة لغاية ولدار خالدة باقية هي دار الحيوان ودار القرار، قال سبحانه: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد:٢٠] .
وبهذا التكامل والشمول قدم المنهج التربوي تصورًا كاملًا شاملًا للجانب التعبدي، وللجانب التشريعي، وللجانب الاقتصادي، وللجانب الأخلاقي، وللجانب الحضاري، ولجميع جوانب الحياة.
لماذا؟ لأن هذا المنهج إنما هو في الأول والأخير منهج الله الذي قال: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:١٤] لأن هذا المنهج منهج حياة متكامل، فإن الإسلام -يا أحبابي- منهج حياة، دين ودولة، عقيدة وشريعة، عبادة وأخلاق، سيف وقلم، جهاد ودعوة، دنيا وآخرة.
2 / 12