بالله زر ساحة القصرين وابك معي
عليهما لا على «صفين» و«الجمل»
وقل لأهلهما: والله ما التحمت
فيكم جراحي ولا قرحي بمندمل
ماذا ترى كانت الإفرنج فاعلة
في نسل آل أمير المؤمنين علي؟
فغضب صلاح الدين، والتفت إلى القاضي الفاضل وقال: ماذا نعمل في هذا الرجل الذي يسبنا جهرا؟! - إنه يا مولاي شاعر ثائر، وقد أكثر من مدح آل أيوب فأهملتموه، ولو أن مولاي قتله لهذا الشعر لأغضب العامة، وما زالت الأشراف تهجي وتمدح. وأرى أن ثورة عمارة لن تصل به إلى سلامة؛ فاصبر عليه حتى يرتكب من الذنوب ما يسوغ قتله. فقال زين الدين: إن له شعرا صريحا في الخروج على الدين، وعلى مذهب أهل السنة، ألا يكفي هذا لقتله؟! فقال القاضي الفاضل: دعه يا ابن نجا فإن من مزايا الشاعر أن يغتفر له ما لا يغتفر لغيره.
مرت أيام وشهور، وثورة عمارة لا تنطفئ، وعزمه على محاربة الدولة الصلاحية لا يكل، فكون جماعة سرية، واشتعل سخط بعض قواد صلاح الدين عليه فضمهم إلى جماعته، ومنهم خاله، وكان بين أفراد الجماعة: داعي الدعاة عبد الجبار بن عبد القوي، وقاضي القضاة، وعبد الصمد الكاتب، ونصر الله بن كامل، وزين الدين بن نجا الواعظ الذي كان عبقريا في الجاسوسية، نابغة في النفاق، وكانت هذه الجماعة تجتمع في داره؛ لأنه كان من المقبولين في دولة صلاح الدين، لا تحوم عليه أية شبهة.
وفي ليلة بينما كان هؤلاء مجتمعين، إذا طرق خفيف على باب الدار، فذعروا جميعا، وظنوا أنهم أحيط بهم، وفتح أحدهم الباب، فرأى امرأة زرية الهيئة في أثواب الخدم، وما إن اجتازت الدهليز، وكشفت عن وجهها، حتى عرف القوم فيها سيدة القصور؛ فظهر عليهم الدهش فابتسمت وقالت: لقد استطعت أن أفر من أسر قراقوش السمج بهذه الحيلة، وكان أقصى ما أريد أن أشهد اجتماعكم، فلعل أن يكون لي رأي فيه، فحياها القوم تحية الإجلال، ثم أخذوا في الحديث والمناقشة.
وطال الكلام واشتد الجدل، وانتهى الأمر إلى أن تكون المؤامرة ذات شعبتين:
صفحة غير معروفة