92

السيد الرئيس

تصانيف

وأظهر الجميع اهتماما بالفتاة الجديدة، وأرادوا أن يمضوا الليلة معها. وواصلت «فيدينا» بعناد صمتها الشبيه بصمت القبور، وجسد طفلها معلق في ذراعيها، وأبقت عينيها مغلقتين، وأحست ببرودة الأحجار وثقلها.

وقالت ذات السن الذهبية لفتياتها الثلاث: هيا، خذوها إلى المطبخ وقولوا «لمانويلا» أن تعطيها شيئا تأكله، واجعلوها تتزين بعض الشيء وتعتني بنفسها.

وتوجه ضابط مدفعية ذو عينين زرقاوين شاحبتين إلى الفتاة الجديدة يتحسس ساقيها. بيد أن إحدى الفتيات الثلاث حمتها منه. وعندها لف جندي آخر ذراعيه حول وسطها كأنما هي جذع نخلة، واحولت عينيه وأبان عن أسنانه الهندية الباهرة، كأنه الكلب إلى أوار أنثاه وقت النزو. وبعد ذلك قبلها وهو يحك خديها الثلجيين، المملوحين من الدموع، بشفتيه اللتين تنضحان بالبراندي. وكان ذلك يمثل خير اتحاد بين ثكنات الجنود وبين دور الدعارة، فإن حرارة العاهرات هي خير تعويض عن برودة ساحة التدريب في الثكنات.

وقالت السيدة «تشون» منهية بذلك هذا المشهد البذيء: «والآن، أنت أيها المشاغب، أيها الفاسق، كف عن هذا! آه، حسنا، سنضطر إلى تقييدك!»

ولم تدافع «فيدينا» عن نفسها ضد هذه الأشياء الشبقية، بل اكتفت بأن تضغط على جفنيها وشفتيها حتى تحفظ ظلامها وسكونها الشبيهين بالقبر من الهجوم، في حين ضمت طفلها الميت إليها بشدة وهدهدته بين ذراعيها كأنما هو نائم. وقادوها إلى فناء صغير، حيث كان الأصيل يغرق تدريجيا في النافورة. وترامى صوت تأوهات، أصوات خفيضة، همسات مريضات، تلميذات، سجينات أو راهبات، ضحكات مفتعلة، صرخات قصيرة فظة، وخطوات أقدام لا ترتدي سوى الجورب. وألقى أحدهم أوراق اللعب من باب إحدى الحجرات، وسقطت على الأرض على شكل المروحة. ولم يعرف أحد أيهم فعل ذلك. وأخرجت امرأة ذات شعر منكوش رأسها من فتحة صغيرة، وحدقت إلى أوراق اللعب كأنما هي ممثل القدر نفسه، ثم مسحت دمعة تساقطت على خدها الشاحب.

كان ثمة قنديل أحمر معلقا على الباب الخارجي لدار «النشوة اللذيذة». كان يبدو كعين حيوان منتفخة، ويلقي صبغة تراجيدية على الرجال والحجارة. استخفاء الكاميرات الفوتوغرافية وغرف تحميض الصور. كان الرجال يأتون ليستحموا في ذلك الضوء الأحمر كضحايا الجدري الذين يأملون في علاج تقرحاتهم. وكانوا يعرضون وجوههم للضوء في خجل أن يراهم أحد، كأنما هم يشربون دما، ثم يعودون بعد ذلك لضوء الشارع، إلى ضوء البلدية الأبيض، وإلى أضواء بيوتهم الصافية، يحملون معهم إحساسا قلقا بأنهم قد أفسدوا تحميض الصورة.

كانت «فيدينا» لا تزال غير واعية لما يحدث حولها، بيد أنه كانت تسيطر عليها فكرة أنه لا وجود لها إلا من أجل طفلها. وأبقت عينيها وشفتيها مزمومة أكثر من ذي قبل، وكان الجسد الصغير لا يزال عالقا بثدييها الطافحين. وبذلت رفيقاتها كل ما في وسعهن للخروج بها من هذه الحالة، حين كن يأخذنها إلى المطبخ.

وكانت «مانويلا كالفاريو»، الطباخة، قد توجت منذ سنوات عديدة ملكة على شئون المطبخ ومشتقاته في دار «النشوة اللذيذة»، وكانت بمثابة الأب الرحيم دونما لحية وفي تنورة منشاة. وكان فكا هذه الطباخة المحترمة الهائلة الحجم المترهلان مملوءين بمادة هوائية وجدت متنفسا لها في عبارات حادة وجهتها إلى «فيدينا» حالما وقع بصرها عليها: «ها، عاهرة فاجرة أخرى، حسنا، من أين أتت هذه؟ وما هذا الذي تضمه بشدة إلى صدرها؟»

ولم تجرؤ الفتيات الثلاث على الكلام، رغم أنهن لم يعرفن لذلك سببا، وأفهمن الطباخة بالإشارات - مثل وضع يد فوق أخرى، علامة القضبان - أنها قد أتت من السجن.

وكانت ملاحظة المرأة بعد ذلك: «كلبة قذرة!» ثم أضافت حين خرجت الأخريات: «ينبغي أن أعطيك سما بدلا من أن أعطيك طعاما! هاك، خذي هذا، وذاك!» ووجهت إليها عدة ضربات بسيخ اللحم على ظهرها.

صفحة غير معروفة