سيدي الرئيس! سيدي الرئيس! السماء والأرض مليئتان بأمجادك!
وشق ذو الوجه الملائكي طريقا لنفسه وسط المدعوين (كان جميلا وماكرا كالشيطان): الشعب يطلب ظهورك في الشرفة يا سيدي الرئيس! - ... الشعب؟
ووضع القائد نبرة استفهام في هذه الكلمة. وساد الصمت من حوله. ونهض من مقعده وتوجه إلى الشرفة، تحت ضغط حزن عميق كتمه في نفسه بغضب حالما شعر به لئلا يظهر في عينيه.
وظهر أمام الجماهير محاطا بكوكبة من محبوبيه. وكانت بعض النسوة قد جئن ليهنئنه بالذكرى السعيدة لنجاته من محاولة للاغتيال، وبدأت واحدة منهن، أوكل إليها مهمة إلقاء خطبة، تقول حالما رأت الرئيس: «يا ابن الشعب البار ...»
وازدرد القائد لعابه المرير، ربما وهو يذكر أيام كان طالبا، حين كان يعيش في فقر مدقع مع أمه في مدينة لم يجد فيها أي متنفس لهما، ولكن المحبوب تدخل قائلا في رنة خفيضة: مثل يسوع، ابن الشعب ...
ورددت صاحبة الخطبة: «يا ابن الشعب البار، أقول ابن الشعب. في هذا اليوم الساطع البهاء، تتلألأ الشمس في كبد السماء، وتلقي بضوئها على عينيك وفي روحك. وإذ أمتثل بالتعاقب المبارك للنهار والليل في قبة السماء، فإن سواد تلك الليلة لا ينسى، حين عمدت الأيادي المجرمة - بدلا من الاقتداء بك سيدي الرئيس في زرع البذور الصالحة في الحقول - إلى وضع قنبلة في طريقك، ولكنك خرجت منها سالما معافى، رغم كل الدقة العلمية الأوروبية التي صنعت تلك القنبلة.»
وغرق صوت «لسان البقرة» - كما كانت ألسنة السوء تسمي السيدة التي قالت الخطبة - في غمار تصفيق حاد من الجمهور إلى الهواء لدى الرئيس وحاشيته. - عاش السيد الرئيس! - عاش السيد رئيس الجمهورية! - عاش السيد رئيس الجمهورية الدستوري! - «فلتتردد أصداء هتافنا وتصفيقنا في العالم كله إلى الأبد، عاش السيد رئيس الجمهورية الدستوري، حامي حمى الوطن، رئيس الحزب الليبرالي العظيم، المدافع عن الشباب المجتهد!»
واستطردت لسان البقرة تقول: «إنه لو كانت خطط أولئك الأشرار قد نجحت، أولئك الذين كان يعاونهم أعداء السيد الرئيس في محاولتهم الإجرامية، لكانت راية بلادنا قد تلطخت بمئات الشوائب الشائنة. إنهم لم يتوقفوا لحظة ليتدبروا أن يد الله كانت معكم تحمي حياتكم الغالية، مقرونا بتأييد كل أولئك الذين يسلمون بأنكم جديرون بأن تكونوا المواطن الأول للأمة، والذين أحاطوا بكم في تلك اللحظة العصيبة، الذين يحيطون بكم الآن وسوف يحيطون بكم طالما دعت الحاجة إلى ذلك. أجل!»
أيها السادة، أيتها السيدات والسادة، إننا ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أنه لو كانت تلك الخطط الدنيئة قد نجحت في ذلك اليوم ذي الذكرى المفجعة في تاريخ أمتنا - التي تقود اليوم الشعوب المتحضرة - لحرم وطننا من أبيه وحامي حماه، ولسقط تحت رحمة أولئك الذين يشحذون خناجرهم في الظلام ليطعنوا بها صدر الديمقراطية في الصميم، كما قال يوما ذلك السياسي العظيم «خوان مونتالفو». «وبفضل نجاتكم، لا تزال رايتنا تخفق عالية دونما شوائب. وهذا هو السبب الذي نجتمع هنا من أجله أيها السادة، لتكريم حامي حمى الطبقات الفقيرة المجيد، الذي يسهر علينا بعطف الأب، والذي جعل أمتنا - كما سبق أن قلت - في طليعة ذلك التقدم الذي أطلق «فالتون» شرارته الأولى باكتشافه البخار، والذي دافع «خوان سانتا ماريا» عنه ضد القرصنة عن طريق إشعال النار في الديناميت المشئوم في «لمبيرا». عاش وطننا! عاش رئيس الجمهورية الدستوري، رئيس الحزب الليبرالي، حامي حمى الأمة، معزز النساء والأطفال العزل، والتعليم!»
وضاعت هتافات «لسان البقرة» وسط سعير من الهتاف أطفأه بحر من التصفيق.
صفحة غير معروفة