154

السيد الرئيس

تصانيف

ومضى يفك زرا زرا حتى وصل إلى البنيقة. وحين وصل إلى البنيقة ألقى برأسه إلى الوراء، فوقعت عيناه على شيء لا يستطيع أن يراه دون أن يؤدي التحية العسكرية: صورة السيد الرئيس.

وفرغ من فك أزرار السترة، وأطلق ريحا، وأشعل سيجارة من المصباح، وتناول سوط الركوب وخرج. ولم يشعر به الجنود وهو خارج، فقد كانوا نياما على الأرض، متدثرين بعباءاتهم الصوفية كالموميات؛ أما الحراس فقد حيوه ببنادقهم؛ ونهض الضابط المناوب وهو يبصق بعض الرماد هو كل ما تبقى من سيجارته التي نام وهو يدخنها، ولم يكد يجد متسعا من الوقت إلا كي يمسح شفتيه بظهر يده وهو يحيي الميجور قائلا: كل شيء على ما يرام، يا سيدي.

كانت الأنهار تصب في البحر، كشوارب القطط وهي تنصب في وعاء اللبن. وكان ظل الأشجار السيال، وثقل السحالي في نزوها، والماء في المستنقعات التي تحوم الملاريا فوقها، والدموع المتعبة، كل ذلك كان يتحرك كيما يصب في البحر.

وانضم رجل يحمل قنديلا إلى «فارفان» حين دخل إلى عربة القطار مرة أخرى. وتبعهما جنديان باسمان انهمكا في حل العقد من الحبل الذي سيقيدان به السجين. وأمرهما «فارفان» أن يقيدا ذا الوجه الملائكي، ومضيا به تجاه القرية، يتبعهم الحراس الذين كانوا يحرسون عربة القطار. ولم يبد ذو الوجه الملائكي أي مقاومة. لقد ظن أنه قد اكتشف في طريقة الميجور وصوته والعنف الذي طلب به تنفيذ الأوامر إلى الجنود، وهم الذين كانوا سيعاملونه معاملة خشنة على كل حال دون تحريض منه، ظن أنه اكتشف في كل هذا خطة يدبرها صديقه كيما يساعده بعد ذلك حين يذهبون إلى مقر الحراسة دون أن يورط نفسه أمام الجنود. وحين غادروا المحطة ، اتجهوا إلى أقصى نقطة في خط السكة الحديد، حيث أرغموه بالضربات على الصعود إلى عربة قطار بضاعة غطيت أرضيتها بروث السماد. كانوا يضربونه دونما سبب، كأنما لديهم أوامر بذلك. وصاح ذو الوجه الملائكي بالميجور الذي كان يتبعهم منهمكا في حديث مع حامل القنديل: ولكن ... لماذا يضربونني يا «فارفان»؟

وكان الرد الوحيد على سؤاله ضربة بكعب البندقية، ولكن بدلا من أن تسدد الضربة إلى ظهره، وجهوا الضربات إلى رأسه، مما جعل إحدى أذنيه تدمى، وألقت به أرضا على السماد.

والتقط أنفاسه، ثم بصق الروث الذي التصق بفمه من وقع السقطة. كانت الدماء تقطر على ملابسه. وحاول الاحتجاج، فصاح به «فارفان» وهو يرفع صوته في الهواء: «اخرس! اخرس!»

فصاح ذو الوجه الملائكي دون أن يسقط: «ميجور فارفان!» كان مهتاجا. وعبق الهواء برائحة الدم.

وكان «فارفان» خائفا مما قد يقوله ذو الوجه الملائكي، فضربه بالسوط. وترك السوط علامة على خد الرجل التعس، وناضل مرتكزا بإحدى ركبتيه على الأرض كيما يحرر يديه من الأغلال.

وقال في صوت يرتجف بالمرارة الجامحة. لقد فهمت. لقد فهمت. إن هذا العمل قد يجعلك تفوز بترقية، بنجمة أخرى ...

فقاطعه «فارفان» وهو يرفع سوطه مرة أخرى: اخرس، إلا إذا كنت تريد ...

صفحة غير معروفة