وينبغي هنا أن نقف عند القرآن الكريم قليلا كما وعدنا بذلك فانه خير مرآة تعكس أحوال العرب وأوضاعهم بدقة متناهية وبشمولية ماوراءها شمولية.
ملامح المجتمع الجاهلي العربي في منظور القرآن :
إن القرآن يكشف إجمالا عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى قوم لم يبعث اليها احد قبله إذ يقول : « ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون » (1).
ويقول في آية اخرى : « أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون » (2).
ومن المعلوم أن المقصود في هاتين الايتين ونظائرهما هم قريش والقبائل القريبة اليها.
على أن أشمل وصف قرآني لأوضاع المجتمع العربي الجاهلي وأحواله هو قول الله تعالى : « واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون » (3).
فإن هذه الآية تصور حياة العرب تصويرا مرعبا ، إذ تصورهم اولا وكأنهم قد سقطوا في قعر بئر الجاهلية ، والضلال والشقاء فلا ينقذهم شيء من قعر التردي والسقوط الا التمسك بحبل الله ، حبل الإيمان والقرآن.
وتصورهم ثانيا وكأنهم على شفير جهنم يوشكون أن يسقطوا فيه ويهووا في نيرانه ، وليست تلك النار إلا نيران العداوات والحروب التي لو لم يقض عليها الإسلام بتعاليمه لاحرقت حياة العرب جميعا.
هذه هي صورة سريعة عما كان عليه العرب في الجاهلية من جهل وسقوط.
واما تفصيل ذلك فيمكن الوقوف عليه بمراجعة الآيات الاخرى التي
صفحة ٤٢