قال أردشير بابك ديجب أن يكون الوزير متثبتا عالما عارفا متيفظا واسع الصدر ، شجاعا بارعا حسن المقالة ، مليح الوجه ، حسن الصورة ، كامل العقل ، كثير الصمت ، متواضعا سخيا محبوبا إلى الناس ، نظيف العرض ، محمود الطرائق ، جيد الاعتقاد ، صحيح المذهبز ، خبيرا بغوامض الأشياء ، وأن يكون ذا تجارب . فإذا كان كذلك حسن حال الملك واستقامت أمور دولته ومن أعظم الواجبات على الملك أن يكون رسلة إلى ملوك الأطراف علماء أمناء صادقين في أقوالهم تاركين الطمع .
وفيه سئل بعض الحكماء : أى الأشرارأكثرشرا ؟ فقال:
الرسل الخونة الذين يخونون في الرسالة لأجل أطماعهم فكل خراب المملكة منهم ، كما قال أردشير فى حقهم : كم سفكوا من الدماء ، وكم هزموا من الجيوش ، وكم هتكوا من أستار ذوى الحرمات الأحرار ، وكم أخذوا من الأموال بالمكر والاحتيال ، وكم من يمين كذبوها لخيانتهم ، وكم من عهود نقضوها بقلة أمانتهم وكان ملوك العجم في هذا الأمر يتحرزون ويتحفظون ، وما كانوا ينفذون رسولا حتى يجربوه ويمتجنوه ، وبعد ذلك إذا عرفوا أمانته وصدقه ونصحه أنفذوه . ويقال عن ملوك العجم إنهم كانوا إذا أرسلوا رسلهم إلى الملوك أرسلوا معهم جاسوسا ليكتب جميع ماقالوه وسمعه ، فإذا عاد الرسول قابلوا كلامه بالنسخة التي كتبها الجاسوس ، فإن صح كلامه علموا أنه صادق ، فكانوا يرسلوته بعد ذلك إلى الأعداء ويحكى أن الإسكندر أرسل رسولا إلى الملك دارا بن دارا ، فلما رجع الرسول وأعاد الجواب شك الإسكندر فى كلمة تكلم بها الرسول ، فأنكر عليه الإسكندر ، فقال . يا مولاى أنا سمعت هذه الكلمة منه بأذفى هاتين ، فأمر الإسكندر أن يكتب كتاب وتكتب تلك الكلمة بعينها فيه ، ثم أرسله إلى دارا مع رسول أخر ، فلما وصل إليه وقراه قلع تلك الكلمة من الكتاب بالسكين وأعاده إلى الإسكندر ، و كتب إليه :.
إن الاعتماد على مقالة الرسل الأمناء ، لأن الرسول لسان الملك،
يقول ما يقوله الملك من السؤال ، ويسمع ما يسمعه من الجواب، ورسولك قد خان فى التبليغ ، ولم أجد سبيلا إلى قطع لسانه فقلعت تلك الكلمة من الكتاب ، لأما لم تكن من كلامى ولاتلفظت با . فعند ذلك طلب الرسول ، فقال : ويلك ماحملك على إتلاف ملك من الملوك بتلك الكلمة التى تكلمت بها؟
فقال : إنه قصر فى حفى وأسخطنى ، فقال الإسكندر أرسلتك للإصلاح أو للفساد » وتسعى فى الناس بالغرض والكذب والفساد؟ ثم أمر به فسل لسانه من قفاه وسئل ملك من الملوك - وكان قد زال عنه الملك - فقيل له : لأى سبب زالت الدولة عنك وسلبت المملكة منك؟ فقال : لاغترارى بالدولة والقوة ، ورضابى برأبى ، وتوليتى لأصاغر العمال على أكابر الأعمال ، وتضييعى الحيلة في وقتها ، وقلة تفكرى فى العاقبة ، والتوقف فى مكان العجلة ، والعجلة في مكان التوقف ، والتهاون في قضاء حوائج الناس ، والتجاوز عن أصحاب الذنوب ، وترك الإحسان إلى مستحقيه قال برويز : ثلائة لا يجوز للملك التجاوز عن سيئاتهم : من قدح فى ملكه ، ومن أفشى [سره ]، ومن أفسد فى دولته والنصائح كثيرة ، ومولانا السلطان المؤيد ا من العارفين ، ولكنها هى ذكرى والذكرى تنفع المؤمنيين
البابه التاسع في بيان تاريخ سلطنته ومادل عليته تأريخه
قد ذكرنا أن مولانا المؤيد دخل الديار المصرية يوم الثلاثاء ثانى ربيع الأخر من سنة خمس عشرة وتمانمائة ، ومعه الخليفة المستعين بالله ، وكان دخولهم من باب النصر ، وفرشت لهما شقق من التبانه إلى باب السلسلة ، وطلع الخليفة القصر والسلطان إلى باب السلسلة .
وفى يوم الإثنين تامن ربيع الأخر اجتمعت الأمراء عند المستعين وخلع على مولانا المؤيدخلعة عظيمة ، فوض إليه سائر الأمور - والأمور بالديار المصرية - وخلع على الأمير طوغان [الحسني ] واستقر على دويداريته ، وعلى الأمير شاهين الأقرم ، واستقرأميرسلاح كما كان ، وعلى يلبغا الناصرى ، واستقر أمير مجلس ، وعلى الأمير إينال الصصلانى ، واستقر حاجب الحجاب عوضا عن الناصرى ،
وعلى الأمير سودون الأشقر ، واستقر رأس نوبة النوب عوضا عن الأمير سنقر [ الرومى ] وفى يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأخر عرض مولانا المؤيد المماليك السلطانية وغيرهم ، وفرق عليهم الإقطاعات بحسب الحال وفى يوم السبت الثالت عشر من ربيع الأخر ، خلع على الأمير تاج واستقر والى القاهرة عوضا عن باء الدين بحكم عزله وفى يوم الجمعة الثالت والعشرين من جمادى الأولى خلع على القاضي صدر الدين بن الأذمى ، واستقر في قضاء القضاة الحنفية عوضا عن القاضى ناصر الدين بن العديم
صفحة غير معروفة