ثم كيف يكون الشيء مشتركا بين شيئين من دون جامع لهما وإن تفاوت، فنحن حينما نقول الله عالم والإنسان عالم فإن الله عالم حقيقة، بينما كون الإنسان عالما (أي له عقل) مجاز إذ أنه معلم، أي أن الله أعطاه عقلا، وكون الله قادرا حقيقة وكون الإنسان قادرا مجاز، إذ أن الله هو الذي أعطاه القدرة مع الاختيار في تلك القدرة فيكون مقدرا، أي أن الله خلق فيه القدرة لا أفعاله إذ أن القدرة لا تعني الفعل بل تعني إمكان فعل أحد الضدين فعلى هذا فهو اشتراك في الاسم لا في الصفة .
ثم إن الحقيقة في لغة العرب في هذه الأشياء أن الجهة والمكان واليد والرجل وغيرهن أمور وأشياء مخلوقة ؛ لأن العرب لا يعنون بالجهة والمكان إلا التي هي موجودة وتحيط ، ولا يعنون باليد في الحقيقة إلا الجارحة المكيفة بكيف معلوم ، وكذا الرجل والساق ، أما في المجاز فيعنون باليد النعمة في موضع والقدرة في موضع وغير ذلك ، ويعنون بالرجل أو القدم ما يقدمه الإنسان أمامه كما نص عليه صاحب القاموس والصحاح وشارح القاموس .
ولماذا أولتم بعض الآيات كقوله تعالى : (( وهو معكم )) [ الحديد : 4 ] ، وقلتم هو معنا بعلمه مع أن لفظة (( هو )) لا تعود على الصفات بل على الذات؟
ولماذا حينما حملتم بعض الأحاديث كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . أفلا يدل ظاهر قوله : فإن الله قبل وجهه . أنه تعالى أمام المصلي وأنه قريب منه قربا حسيا لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : فإن الله !! وقال : من ربه !! حملتموها على العلم والإحاطة رفضتم تأويل خصومكم أن اليد بمعنى النعمة أو القدرة ، وأن الوجه بمعنى الذات ، وأن الاستواء هو الاستيلاء ، وأن العلو هو العلو المعنوي الذي هو علو قهر وسلطان وإحاطة ؟!!
صفحة ٢٨