والشخص الثالث هي «ليونتين»، امرأة جميلة فتانة، ولكنها كصاحبها ضعيفة الإرادة خيرة، غير أنها لا تستطيع مقاومة الشر أو قل لا تكاد تميز بين الخير والشر، سلطان الغريزة عليها أقوى من سلطان العقل، محبة للفكاهة مندفعة فيها، أو هي ترى الحياة كلها فكاهة، حتى تعلمها المصادفة أن هذه الفكاهة قد تستحيل إلى جد فتستفيد من هذا الدرس، وإذا هي صاحبة جد ولكنه جد باسم لا يكاد يخلو من الفكاهة.
والشخص الرابع هي الماركيزة «دي بريساك»، شيخة من الأشراف، هي عمة البارون دي لاجامبيير، محافظة، مسرفة في المحافظة، سيئة الخلق، طويلة اللسان، ميالة مع هذا إلى الخير.
هؤلاء هم الأشخاص الذين تقع بينهم القصة. وهناك أشخاص آخرون كثيرون تأتي بهم المصادفة ليتم تدبير ما سيقع من الحوادث دون أن يكون لهم في أنفسهم خطر. •••
فإذا كان الفصل الأول فنحن عند «أدولف» في بيته في باريس، نشهد شابا قد أقبل يطالب بقسط من الأقساط المالية، فتظن الخادم أنه يطالب بالقسط المستحق من ثمن البيانو الذي اشتراه سيدها، فتدفع إليه خمسين فرنكا، فيضحك ويطلب ألفين. فإذا سمعت الخادم هذا الرقم جزعت وفزعت إلى سيدها، فيقبل ويعد الشاب بالأداء بعد دقائق. وما هي إلا أن يصل صديق له عضو في مجلس النواب اسمه «بلانتين»، يحمل إليه هذا المقدار فيأخذه ويدفعه إلى الشاب. والخادم ساخطة تلوم سيدها لوما عنيفا، فهي تعلم أين يذهب هذا المال، هو يذهب في حاجات زوجه المطلقة، ومع ذلك فقد أضاعت هذه المرأة على زوجها أكثر ثروته، ثم خانته فأسرفت، حتى إذا طلقها اتخذت صناعة المومسات، وهي مع ذلك لا تستحي أن تلجأ إلى زوجها القديم كلما مسها الضيق، وزوجها القديم لا يستحي أن يعينها كلما لجأت إليه. ثم تنصرف الخادم مغضبة، ويأخذ النائب في النصح لصديقه ألا يفعل، وصديقه يرى رأيه ويقبل نصحه. ولكن الخادم تعود فتعلن إلى سيدها أن زوجه مقبلة، فيضيق الرجل ذرعا ولكنه يستقبلها.
فإذا دخلت رأيت امرأة خفيفة الروح، حلوة الحديث، مستخفة بكل شيء، قد أقبلت على زوجها القديم مطمئنة واثقة تتحدث إليه في غير تكلف، وزوجها يخشى أن تكون قد أقبلت تطلب بعض المال فهو يدافعها عن ماله. ولكنها لم تقبل لشيء من هذا، إنما قبلت لشيء آخر؛ ذلك أنها غضبت على صاحبها فطردته، أو غضب عليها صاحبها فانصرف عنها، وكانت قد استدانت فعجزت عن أداء الدين، وباع الدائنون متاعها، وأصبحت وليس لها مأوى، وهي تبحث عن بيت، ولكنها تريد مأوى حتى تجد هذا البيت وتهيئه للسكنى. وقد فكرت في صديقاتها ولكنها استحت منهن، فلم تجد إلا زوجها، فيدافعها الرجل عن بيته، ويشجعه صاحبه على الدفاع. وتقبل المرأة رفض زوجها راضية غير مكترثة في ظاهر الأمر، حتى إذا انصرف النائب عنهما أقبلت إلى «البيانو»، فأخذت تعزف لاعبة باكية في وقت واحد. وعجز صاحبنا عن المقاومة، فأذن لها أن تبقى عنده. وهو يفكر في تدبير الأمر، فسينزل لها عن غرفته، وسينام في غرفة الاستقبال. أما هي فلا تريد أن يفسد النظام في غرفة الاستقبال بهذا السرير الذي سيضاف إليها، وهي لا ترى بأسا أن تقاسم زوجها غرفته، ولكن الزوج يرى في ذلك البأس كل البأس، فتقبل منه ذلك ضاحكة غير حافلة، وهل تحفل بشيء؟
وانظر إليها قد نهضت فنظرت في غرفة الاستقبال فلم يعجبها تنسيق المتاع، فهي تقترح تغيير النظام، تريد أن تنقل هذا المتاع من مكانه وتضع مكانه متاعا آخر. وزوجها يرى رأيها وكأنه قد نسي الطلاق وخيل إليه أنهما في حياتهما الأولى. وانظر إليها بعد هذا تطلب إلى زوجها شيئا من النقود، وتكلف الخادم أن تشتري شيئا من الزهر تزين به هذا البيت. ثم انظر إليها تداعب زوجها، وهو يقاوم أول الأمر ثم تضعف مقاومته حتى يوشك أن يزل، لولا ... زيارة تفصل بينهما، فقد أقبلت صديقتان لزيارة «ليونتين» وكانت قد أنبأتهما أنها ستلجأ إلى عمها فتقيم عنده حتى يجعل الله لها من ضيقها مخرجا، فتقبلان وتقدم إليهما «ليونتين» أدولف على أنه عمهما.
فإذا خلا النساء إلى أنفسهن قالت إحدى الصديقتين لليونتين: إن الله قد هيأ لهما مخرجا من هذا الضيق، فإن البارون «إدوار دي لاجامبيير» الذي رآها منذ سنة مفتون بها، وهو يلتمسها ويريد أن يتخذها خليلة له، وهو مقبل لزيارة بعد حين، تقولان ذلك وتنصرفان. ويأتي الزوج وهو مضطرب في دخيلة نفسه، واثق بالزلل أن أقام مع امرأته، عاجز عن أن يرى لنفسه مخرجا من هذه الأزمة. ولكن صديقه النائب قد عاد يخبره بأنه مسافر، فيطلب إليه أن يصطحبه ليخرج من هذه الأزمة، ويقبل النائب. وانظر إليه يعلن إلى زوجه أنه مسافر الآن لأمر طرأ، وأن سفره قد يطول، وأنها مطلقة التصرف في البيت ما لم تسئ السيرة، وأن خادمه متصلة بشخصها، وأنه تارك لها مقدارا من المال يقترضه من صاحبه، وهو يهيئ حقيبته وينصرف.
وما هي إلا أن يقبل البارون ومعه صديق له أستاذ في مدرسة من مدارس الزراعة في الأقاليم. فإذا أستأذنا وأذن لهما انتظرا لحظة نراهما فيها وحدهما، فتعرف أن البارون على ذكائه ومهارته في تصريف الحديث مفحم أمام النساء، ولا سيما حين يعجبنه ويقعن من نفسه.
وما هي إلا أن تدخل «ليونتين» حتى يظهر اضطرابه وعجزه وحتى تسخر منه في نفسها، ويظهر في الوقت نفسه لسن هذا الصديق الأستاذ وفصاحته، وإذا «ليونتين» مفتونة بهذا الأستاذ. ولست أطيل عليك بتلخيص ما يقع بينهم من حديث، ولكن الأمر ينتهي بدعوة إلى العشاء وقبول لهذه الدعوة وخروج الثلاثة إلى حيث يطمعون. •••
فإذا كان الفصل الثاني فنحن في مدينة من مدن الأقاليم، في دار الأستاذ الذي رأيناه في الفصل الأول، وقد أقبلت لزيارته واستشارته المركيزة «دي بريساك» ومعها ابنة أخ لها جميلة يقال لها «أورتنس»، وأورتنس هذه تنبئ عمتها أنها كادت تفقد الحياة لولا أن رجلا أنقذها ورد عنها فرسا جامحا كاد يقتلها. وعمتها تسخر منها ومن صاحبها الذي أنقذها، كما تسخر في غضب وسخط من ابن أخيها البارون «دي لاجامبيير» الذي تزوج امرأة مطلقة من باريس خارجا بذلك على تقاليد الأشراف وأصول الدين. وهذه الشيخة مغضبة محنقة على كل شيء، ترى أن النظام الجمهوري مسئول عن كل الشرور حتى التي لا عمل للناس فيها. أليست الجمهورية هي التي استحدثت هذه العلل التي تصيب الكروم فتفسدها؟! وقد أقبلت هذه المرأة تستشير أستاذنا الزراعي في إحداهما! ولكن الأستاذ قد أبطأ، فتنصرفان على أن تعودا بعد حين.
صفحة غير معروفة