صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

عادل مصطفى ت. 1450 هجري
204

صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

تصانيف

فوفقا للصيغة المعيارية المتطرفة من «نسبية قيمة الصدق» يمكن للشيء عينه أن يكون صادقا بالنسبة لإطار معين وكاذبا بالنسبة لإطار آخر، أو أن يكون حقا بالنسبة لجماعات معينة وباطلا بالنسبة لجماعات أخرى. ومنذ قدم أفلاطون تفنيده لهذه الصورة من النسبية في محاورة ثياتيتوس انعقد رأي كثير من الفلاسفة على أن هذه النسبية «متناقضة ذاتيا»

self-contradictory

أو «داحضة لذاتها»

self-refuting . تعد حجة أفلاطون بمثابة «قلب للطاولة»! إنه يقلب الخط الاستدلالي لداعية النسبية، لكي يبين أن حجته تخضع للنسبية ذاتها التي تدافع عنها. هكذا يؤتى النسبي من مأمنه ويشرق بريقه وينقلب سهمه إلى نحره. إن النسبيين دائما عرضة لخطر مهني هو نشر الغصن نفسه الذي يجلسون عليه! أما في حالة نسبية قيمة الصدق فيبدو أنهم يقطعون الشجرة برمتها!

يمثل «الدحض الذاتي» مشكلة عامة تنال جميع صور النسبية سواء كان الصدق منسوبا إلى إطار المفاهيم أو إلى الاعتقادات أو المعايير أو الممارسات، ويشمل الدعاوى العريضة على نسبية المعايير الإبستيمية. فإذا ادعى النسبي أن كل تبرير أو عقلانية إنما هي منسوبة لإطار معين فإنه يعرض نفسه لرد «من جنس الدعوى نفسها»؛ أي أن دعواه ذاتها هي في أفضل الأحوال مبررة بالنسبة لإطاره الخاص، ومعقولة بالنسبة لمعاييره الخاصة، وأنها «تشييد اجتماعي»

social construction

ككل شيء آخر مثلما يقول النسبي ويلح في قوله.

تمضي حجة أفلاطون ضد الصيغة المتطرفة من «نسبية قيمة الصدق» هكذا:

إما أن دعوى نسبية الصدق هي دعوى صادقة صدقا مطلقا (أي صادقة بمعنى غير نسبي) وإما أنها صادقة بالنسبة لإطار معين فحسب. فإذا كانت صادقة صدقا مطلقا إذن فهناك على الأقل حقيقة واحدة صدقها غير نسبي (ليست مجرد حقيقة صادقة بالنسبة لإطار معين)، وهو تناقض أو عدم اتساق (وإذا استثنينا دعوى النسبي فعلى أي أساس نمنع بقية الاستثناءات؟!) وإذا كانت دعوى نسبية الصدق صادقة بالنسبة لإطار معين فحسب، فإنها إذن كاذبة في أطر أخرى ليست أقل وجاهة. (وليس ثمة ما يلزمنا بإطار داعية النسبية دون غيره، فلعله إطار مغرق في الذاتية أو ضيق الأفق!) (5) نسبيات مجهضة

الاستبصارات الثقافية الثلاثة

صفحة غير معروفة