وتقوم الفكرة الديمقراطية أيضا على أن الحرية الإنسانية هي حرية العقل بالدرجة الأساس؛ حرية الإيمان والضمير، حرية الرأي والاجتماع لتبادل الرأي، حرية الصحافة كوسيط للاتصال. وبغير هذه الحقوق لن يعود الأفراد أحرارا للارتقاء، وسيحرم المجتمع من جهدهم ومواهبهم وأفضل إسهاماتهم. وأنت حين تسلب الإنسان حرية عقله وتتولى عنه مهمة القرار فأنت تعفيه أيضا من المسئولية وتسلبه الإحساس بالصالح العام، وتبث فيه روح السلبية والاكتفاء من العمل بأقل القليل. إنك تحمله على أن يتبنى أسلوب العمل «الدفاعي» الذي لا يهدف إلا إلى أن يقيه من عقاب التقصير، والذي يتجنب المبادأة والمغامرة والإبداع. (1-2) لماذا تفشل الديمقراطيات
لماذا تتلكأ بعض المجتمعات في الأخذ بالنظام الديمقراطي؟
ولماذا تنهار بعض الديمقراطيات الناشئة ويفضل الناس عليها أنظمة أوتوقراطية؟
يبدو، من وجهة نظر جون ديوي، أن طول عهد الكتل البشرية بالاستبداد وتمرسها بالقهر بجميع أشكاله، السياسية والاقتصادية والنفسية، يجعلها متكيفة بالعبودية لا ترى القيود قيودا. ولعلها تستمرئ هذه القيود وتراها أمرا سويا وطبيعيا. ويبدو أن في جبلة العقل البشري، بوصفه رهين الثقافة وصنيعتها، أن يعبر «فجوة هيوم» وثبا: فيقفز مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، ويميل إلى أن يرى أوضاعه التي نشأ عليها، مهما بلغت من سوء، لا كمجرد أوضاع معطاة «للوصف»
description
و«النقد» و«التغيير»، بل كمقاييس للصواب والسواء والخير ومعايير
norms
للقيمة.
ومن الحق أيضا أن الحرية، كما بين الوجوديون، هي عبء وهم؛ لأن توأمها المسئولية ودوارها القلق، وهو أمر تفهمه الجموع البشرية بالغريزة، فتمتلئ بما أسماه سارتر «سوء الطوية»
mauvais foi
صفحة غير معروفة