قال : ونا الوليد ، قال : فأخبرني غير واحد ممن أدرك تلك الغزاة : أن الشتاء أكب على مسلمة ومن معه من المسلمين ، حتى نفق عامة الظهر ، وعرض لكثير منهم البطن ، وتهتكت الأبنية من الجليد والثلج ، فحفر المسلمون لأنفسهم الأسراب ؛ يبيتون فيها ليلا ، ويظهرون نهارا ، حتى دعا ذلك أهل الطوانة الكتاب إلى طاغيتهم ؛ يخبرونه بحالهم ، وأنهم ينتظرون مادة وميرة تأتيهم، فإن كانت لك بنا حاجة فالآن ، قبل أن يأتيهم المدد والميرة . قالوا : وكادوا المسلمين عند كتابهم ، والبعثة به ؛ بإخراج كلابهم ليلا ، فأخرجوا منها عدة كثيرة ، وأخرجوا رجلين قد ألبسوهما جلود الكلاب بحيوان معهما ، حتى نفذ أو سقط كتاب أحدهما ، وأتى به مسلمة ، ومضى رسولاهما إلى الطاغية ، فخرج معينا لهم نحو من مائة ألف ، بالعدد والقوة والحبال والجوامع وبالعجل تحمل الأسواق والطعام ، فبلغ مسلمة فأحضر كل فارس بقي فرسه وولى عليهم العباس بن الوليد ، وأمره بمواجهتهم إذا هم قدموا ، وثبت هو على دابته مع رجال العسكر وجماعتهم ، مما يلي باب الطوانة . قال : وتقدم مقدمة الطاغية بحجرته ليضربوها ويعسكر بجنوده حولها ، فهم عباس بالشدة على مقدمتهم ، فقال مسلمة : لا تفعل حتى يتاموا ، فإذا انهزموا لم يكن لهم باقية ، ولا فئة تلجأ منهزمتهم إليها ، فقال العباس : تتركهم حتى تصير منهم ومن أهل الطوانة كالجالس بين لحيي الأسد ، ثم بين عسكرين !! فحمل عليهم بمن معه من جنود المسلمين وفرسانهم ، فقال مسلمة : اللهم إنه عصاني وأطاعك فانصره ، فمضى عباس ، وهزمهم الله ، وولوا يقصف بعضهم بعضا ، حتى دفعوا إلى طاغية الروم وجماعة من جمعه ، فثبت ، ولجأت إليهم المنهزمة ، فاقتتلوا قتالا شديدا .
صفحة ٣٧