[64] محمد بن عائذ ، قال : قال الوليد : فأخبرني الليث - يعني الفارسي - (cc[200]) وغيره من أهل مدينة أطرابلس : أن الروم هربت من جبل لبنان ، ثم لم تخرج في البحر في زمان عبدالملك ، حتى خرجت في سفنها إلى مدينة أطرابلس ؛ خرجت في سفن كثيرة ، حتى خرجت على وجه الحجر ، فجعلت على عقبة وجه الحجر (cci[201]) خمسين سفينة ، وأمرهم أن يأخذوا بالعقبة، فيمنعوا الغوث والمدد ، أن يجيروهم ، وجعلوا بينهم وبين فتحهم مدينة أطرابلس ، والقفول إذا رأوا النار ظاهرة في مدينة أطرابلس ، أقبلوا إليهم ، ليقفلوا جميعا ، ومضى صاحبهم بجماعة سفنه حتى أتى أطرابلس ، ووافى كل أهلها غزاة في البحر ليس فيها إلا نفر يسير ، وفيهم سحيم بن المهاجر ، وليس بوال عليها ، ففزع إليه الوالي ، فأمر مناديا ، لا يظهرن أحد منكم على الحائط فيرهبكم كثرتهم ، وتجرؤهم عليكم قبلتكم ، والصلاة جامعة ، فاجتمعوا في المسجد ، فأمرهم فعدوا مقاتلتهم فوجدوهم خمسين ومائة مقاتل ، سوى أهل السوق وضعفة الناس ، وأمر ببروجها وما بين كل برجين من الشرفات فحسب، ثم فرق من فيها على كل برج بحصته وعدة من يكون بين كل برجين، ومن يقوم على باب الميناء ، ومن يكون على بابها في البحر ، فاستقل عدة المقاتلة ، فأمر بألوان الثياب فأتي بها ، فألبس جماعة فشحن البرج وما بينه وبين الآخر من الشرفات ، فلبسوا ألوانا من الثياب ، وعقد لرجل منهم ، وأمرهم أن يذهب بهم جميعا حتى يظهر على برج ويقيمهم على الشرفات ، فإذا رأوهم ، وعلموا أنهم قد شحنوا ذلك البرج بالرجال قاموا مليا ، ثم يثبت عدة منهم قياما، ويحبس البقية فيرجعوا اليه ، فشحن البرج الثاني لونا آخر من الثياب جماعة ، وعقد لرجل منهم ، وأمره فصنع مثل ما صنع أهل البرج الأول ، حتى شد بروجه رأي العين ، فاستقصد من استقصد للباب والميناء ، ونزلت الروم فيما بين الميناء الى النهر ، نحوا من ثلاثة أميال ، ثم أقبلت إلى ما يلي من البر ، ووجه المقابل فحفروا خندقا لهم ، وبنوا دون الخندق حائطا يسترهم من النشاب والمجانيق ، فقاموا خلفه ، ودنت طائفة بالدبابات حتى لصقوا ببرجها الشرقي ، فنقبوا وغلقوه ، فوافى نقبهم دواميس من عمل الروم تحت المدينة يدخل بعضها الى بعض لا منفذ لها الى المدينة ، فتحيروا فتركوه ، وأقبل عبد الرحمن بن سليم الكلبي (ccii[202]) من بيروت ، وكان واليا على جماعة ساحل دمشق ، بالخيول مغيثا فوافى الذين على العقبة ، فمنعوه من الإجازة ، وأقبل أهل حمص في ستة آلاف، عليهم الصقر بن صفوان ، حتى نزلوا مرج السلسلة ، ووافى جماعة من الروم على عقبة السلسلة ، وخرجت طائفة من الروم إلى كنيسة أطرابلس إلى خارج منها ، ليصلوا فيها ، فمروا بكنيسة اليهود ، فحرقوها ، فلما رأى ذلك الذي على عقبة وجه الحجر من النار أقبلوا على أصحابهم ، وخلوا العقبة ، حتى اتوا أصحابهم ، وقد أسروا أهل المدينة بطريقا يناسب طاغيتهم فهو في أيديهم ، فأعظموا ذلك ، وبعث عبد الرحمن الكلبي حين اجتاز العقبة سعيد الحرشي(cciii[203]) وكان ديوانه يومئذ بدمشق إلى أهل أطرابلس يعلمهم مجيئهم ، فأشرف على نشز من الأرض ، فرآه أهل المدينة ، فأومأ إليهم بفتح باب المدينة ، وشد على صف الروم فخرقه ، ودخل المدينة ، فبشرهم بعبدالرحمن بن سليم ومن معه ، وبعث الروم إلى عبد الرحمن ألا نجيزك إلى المدينة ، على ان ترد إلينا صاحبنا ، ونرحل عنك ، قال : ففعل ، على أن لا يغيروا على شيء من أرض المسلمين في عامهم هذا ، فرحلوا ومضوا (cciv[204]).
صفحة ٣٥