صدق الله العظيم (سورة الأعراف: من آية 65-72).
تبدأ الآيات بقوله تعالى
وإلى عاد أخاهم هودا
إنه سبحانه لا يحتاج هنا إلى كلمة وأرسلنا؛ فهو سبحانه يخاطب قوما ذوي عقول (والكلمة الزائدة تقول لسامعها أنت غبي). وهذه قاعدة من أهم قواعد الأعمال الفنية جميعا، وخاصة القصة الحديثة التي تخلصت أخيرا من تفاصيل الواقعية الطويلة الكثيرة الجمل والأوصاف التي كانت تقول شيئا، ولكنه شيء في غاية الضآلة إذا قيس بطول الحديث الذي يقول هذا الشيء.
أصبحت القصة الآن تكتفي بالإشارة السريعة. أما في المسرح فالقاعدة المعروفة أن الجملة الحوارية لا بد أن تتقدم خطوة بالمسرحية، فإن لم تتقدم هذه الخطوة فلا داعي لها.
فالله سبحانه إذن في هذه الآيات يرسلها في إيجاز فني يطابق أحدث ما تطورت إليه القصة، وأعرق ما عرف عن المسرح الحديث.
وإذا قرأنا قصة نوح، ثم قصة هود كما جاءتا في سورة الأعراف، وإذا سرنا مع بقية الآيات بعد ذلك، ورأينا القرآن الكريم يروي معنى هذا النحو في قصة صالح مع قومه ثمود وقصة شعيب مع قومه مدين، لخرجنا بقصة أخرى عجيبة لم تذكرها الآيات في صريح نصها، وإنما ذكرها هذا التتابع في القصص لمن اختاره سبحانه وتعالى ليروي قصصه من رسله وأنبيائه الصالحين. وإنها قصة البشرية جميعا، وإنهم جميعا أقوام كذبوا ما جاء لهم من السماء، فحق عليهم العذاب . إنها البشرية في جهلها وعمايتها واستكبارها الكاذب. وإنهم الرسل والأنبياء في جهادهم في سبيل الله .. سبيل الحق، وفي سبيل هداية البشر، ولكن البشر لا يهتدون. وفي قصة البشرية هذه التي تتخفى وراء ظاهر النص في هذه الآيات روعة فنية قصصية لا نستطيع إلا أن نعجب بها، ولا نعجب لها؛ فإنه تنزيل من عزيز حكيم.
وحين يورد القرآن قصة نوح في سورة هود نرى الإعجاز أروع ما يكون الإعجاز؛ فالتفصيل حيث لا بد من التفصيل، والإيجاز حيث لا بد من الإيجاز. إنني أوشك أن أعتقد أن الذين أنشئوا فن القصة في الغرب قرءوا هذا القرآن وتعلموا. وإذا تركنا السرد ونظرنا إلى الألفاظ وكيف هي مطمئنة في مكانها، تهدد فترجف الأفئدة وتهلع النفوس، وتسارع إلى مغفرة من ربها عسى أن يهديها إلى صراط مستقيم.
وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم
صدق الله العظيم (من سورة هود: من آية 36-39).
صفحة غير معروفة