فقالت وقد استردت هدوءها: هلم نخرج معا، لماذا تضيق بالناس؟
فقلت برقة: هكذا أنا!
ولا أدري ماذا غيرها إثر كلمتي تلك فقالت بحدة: إن الحياة لا تحتمل على غير هذا الوجه.
آه يا حبيبتي، لم تكن رقتك لتسمح بمثل هذا الضيق، فما الذي حدث؟ وليس هذا كل ما في الأمر، فإن قلبي أحيانا يرى ما لا تراه عيناي. ينبغي أن أشق ستار العمى وأن ألقى الحقيقة على مرارتها وجها لوجه .. يخيل إلي أن «رباب» لم تسعد بشفائي كما سعدت به، أعجب بها من حقيقة تحيرني! ولكن إلام أكذب نفسي! إنها تبدو كأنها تخاف الليل وتتحاماه، ولا نكاد نخلو إلى نفسينا حتى يعتورها قلق تفصحه عيناها الصافيتان، ثم تفتأ - في هذه الأيام الأخيرة خاصة - تعتذر بشتى الأعذار؛ فمن تعب إلى توعك إلى رغبة ملحة في النوم. وإذا أذعنت لي فإنما تذعن في تسليم لا سرور فيه، ثم تنتتر جسمها من جسمي في شبه استياء وغضب! وأقر إلى هذا كله بأنها لم تعد فتاتي الضاحكة المستبشرة الصافية. شاب ضحكها التكلف، ودب في سعادتها الفتور، وانقلب ودها توددا. حاشاي أن أقول إنها أعلنت سخطا أو أساءت أدبا، حبيبتي فوق هذا كله، ولكني أحس قلقها بقلبي، وأدرك حيرتها بغريزتي. رباه إن الدنيا جميعا لا تساوي خردلة إذا تألمت حبيبتي، فماذا بها؟ .. إني أفتقد حبيبتي فلا أجدها، ولا بد أن أجدها، أو أموت كمدا!
وبلغ شقائي غايته إذ ترك نفورها في نفسي أثرا عميقا، تغلغل في حناياها ، فحرك الداء القديم، وولى الشفاء الساحر، ولم تنفع فيه الخمر. وتناهى بي الحزن حتى أشفيت على الجنون، أيعاودني العجز؟ وهل أرد إلى ذلك اليأس المميت؟ وقلت لها مرة في قنوط: رباب .. ماذا بك؟ .. لست الحبيبة التي عهدتها.
فلاذت بالصمت، وغضت بصرها حيرة وارتباكا، فقلت بتضرع متسائلا: إن قلبي لا يكذبني، فخبريني ماذا غيرك؟
فهمست قائلة وقد لاحت في عينيها نظرة ساهمة: لا شيء.
فهتفت من الأعماق: بل شيء وأشياء، إني زوجك يا رباب وحياتي كلها لك، فلا تخفي عني شيئا. آه يا رباب إني أبكي أيامنا الماضية.
فتنهدت ولاح في وجهها الارتباك والألم، ثم غمغمت في حذر وإشفاق: وإني أبكي أيامنا أيضا!
فتولاني الذهول والانزعاج وسألتها في حيرة شديدة: كيف يا رباب؟ .. إني لا أفهم شيئا، أما كان ينبغي لحياتنا أن تكون أوفر سعادة!
صفحة غير معروفة