قال: إذن ...
ولم يتمها لأنها نظرت إليه كمن يستحلفه ألا يتكلم، وانحدرت من عينيها دمعتان.
فما تمالك نفسه أن تناول يدها ورفعها إلى فمه يقبلها ويعيد تقبيلها، فمانعته ولم تكف عن النظر إليه، ثم استجمعت عزمها ونهضت منصرفة، وهي تتمتم هامسة: دع يدي ودعني! ثم انصرفت بعد أن سكن جأشها وزال من صفحة وجهها أثر الدموع.
لو جاءت هذه الزيارة وهمام في بداية العلاقة بسارة لما كان بعيدا أن تقضي على تلك العلاقة، وأن ترد سارة اسما مغمورا في عامة عنوان النساء.
بيد أنها جاءت وقد أوغلت العلاقة بينهما إيغالها الذي لا تراجع فيه، وصمدت على طريقها تعدو مع الأيام عدوا لا تنظر فيه إلى الوراء، وفسح لها الطريق أن هماما لم يتوغل فيها مثقلا بتبكيت ضمير؛ لأنه لم يخن هندا ولم يقصر في حقها عليه، ولا وهم أنها تغضب من أمر لا عهد بينه وبينها فيه. •••
ولقد كانت سارة وهند على مثالين من الأنوثة متناقضين؛ كلتاهما أنثى لا تخرج عن نطاق جنسها، غير أنهما من التباين والتنافر بحيث لا تتمنى إحداهما أن تحل محل الثانية، ويوشك أن تزدريها.
ماذا أقول؟ بل لعلهما من التباين والتنافر بحيث تتمنى كلتاهما قبسا من طبيعة الأخرى، ولولا أنها تنكر الاعتراف بذلك بينها وبين نفسها، فتسمح للتمني أن يستحيل إلى نفور.
فإذا كانت سارة قد خلقت وثنية في ساحة الطبيعة، فهند قد خلقت راهبة في دير، من غير حاجة إلى الدير!
تلك مشغولة بأن تحطم من القيود أكثر ما استطاعت، وهذه مشغولة بأن تصوغ حولها أكثر ما استطاعت من قيود، ثم توشيها بطلاء الذهب وترصعها بفرائد الجوهر.
الحزن الرفيع والألم العزيز شفاعة عند هند مقبولة إذا لم تكن هي وحدها الشفاعة المقبولة، أما عند سارة فالشفاعة الأولى، بل الشفاعة العليا، هي النعيم والسرور.
صفحة غير معروفة