وما كان الشيخ يصنع ذلك قبل أن يثقل عليه السقام ويتدانى منه شبح الحمام، ولكنه كان يدخن مرة فدخل عليه همام عائدا، واستبشر قائلا: بركة يا عماه! إن الذي يتطعم الدخان يتطعم العافية، وأراك تتقدم إلى الشفاء إن شاء الله.
ومن تلك الساعة لم تعد للشيخ وسيلة يحاذر بها وهم الموت غير التدخين كلما شارف اليقين، فهو يتبع اللفيفة بأختها ليقنع نفسه بأنه يشتهيها، وأنه ما دام يشتهيها فهو على رجاء في العافية والبقاء.
لقد كان يدخن ويبالغ في طلب التبغ خوفا من خيال الموت لا سرورا بموالاة التدخين، وما أقرب هذه الصورة الفاجعة مما كانت فيه سارة وهمام.
لقد كانا يحرقان من لفائف الحب أضعاف ما أحرقا في عنفوانه وانطلاق طوفانه، ولكنهما يفرطان في الحب ويتكلفان الإفراط لشعورهما بقنوطه لا لشعورهما برجائه، ولإقبالهما على شتائه الأجدب لا لإقبالهما على ربيع بهجته وروائه.
وكانا في عنفوان الهوى يتشاجران ولا يباليان الشجار، ويتغاضبان ولا يجفلان من الغضب، ويختلفان ويلحان في الخلاف ولا يتحرزان من الخلاف والإلحاح، جسم فتي قوي فماذا تضيره هبة من عاصفة أو لفحة من هجير؟
فلما شاخ الحب أجفلا من الغضب والخلاف، كما يجفل الشيخ الهرم من غضبة تنذر بالقضاء عليه، فلا هما هانئان بوئام ولا هما قادران على خصام.
سرور مشكوك فيه، وإن غاب عنه الشك فهو هزيل.
وألم حق لا شك فيه، ثم يتلو اللقاء فيزيد هماما علامة من علامات الخيانة التي ليس بعدها من إقناع عنده غير يقين اللمس والعيان.
وإنهما ليدافعان الغضب والخلاف ويطاولان المغالطة والمراء إذا بالغضب يدفعهما في شلاله بين صخوره وأوحاله، فيندفعان ويندفعان كأبشع ما يكون الهياج والثوران، وكأنما هما نادمان على ما كان من مصانعة وبهتان.
كلا، لا جدوى من المراء، لا بقاء لهذه الحال، لا مناص من الفراق، إن كان لا مناص منه ... ولا مناص! •••
صفحة غير معروفة