وراح صاحبنا يذكر كيف اجتمع بها أول مرة، ويذكر ما تحدثت به إليه في أول خلوة، لم يطل بهما الجلوس يومئذ حتى استأذنت في الانصراف؛ لأنها ذاهبة إلى موعد مع صديق، وأرته خطابا من ذلك الصديق يقول لها فيه إنه يشتري في ذلك اليوم سيارة ويحب أن يستأنس برأيها وبذوقها في اختيار اللون والطراز، فأذن لها صاحبنا وهو يقول مازحا: «هذا موعد يرشحك لصناعة مفيدة ... فلا تهمليه ...»
قالت له في أول لقاء بعدها: «لشد ما كنت أترقب منك أن تستبقني وتؤخرني عن ذلك الموعد، ولو قلت لي: لا تذهبي! لما ذهبت ... ولو مزقت الخطاب أو خطفته من يدي لجزيتك على صنيعك أحسن الجزاء!»
وكانت تحب الضحك وتفطن إلى الفكاهة وتضحك أحيانا حتى تشرق عيناها الواسعتان بالدموع، ولكن صاحبنا لا يذكر أنها ضحكت يوما كما ضحكت أمامه وهي تمثل الصديق صاحب السيارة، وتروي ما جرى بينها وبينه حين اجترأ أول مرة على اقتراح خطير، بعد تمهيد وتحضير، وحذر وتحذير.
وما هو الاقتراح الخطير؟
قبلة ...!
نعم، قبلة، وأكدت الكلمة وهي تروي الحكاية مرتين.
قالت: إنه كان ينتظرني في طريق الزمالك، فلمحت أول ما وقع نظري عليه أنه مهموم قلق يخفي على أطراف شفتيه نية من النيات، وكان ذلك بعد أن التقينا عدة مرات وانفردنا في الخلوات ساعات، فلم يعسر علي أن أستشف تلك النية، وراقني أن أستدرجه إلى الإفصاح عنها لأرى كيف يتدرج في الكلام، فأضجرني كثيرا قبل أن يستجمع في قلبه القدرة على أن يقول: يا فلانة!
قلت: نعم يا فلان.
قال: إن لي أمنية أحب أن أفاتحك فيها، وأرجو ألا ترفضيها ولا تسيئي تأويلها.
قلت: إنني أحب أن أرى أمانيك كلها تتحقق، ولا سيما الأماني التي فيها لك الخير والنجاح.
صفحة غير معروفة