203

الساق على الساق في ما هو الفارياق

استغفر الله عن هذا التشبيه. أو لصاحب أرض أن يغادر أرضه غير محروثة ولا مزروعة ولا مسقية. أفلا يجب حٍ على الحاكم الشرعي أن يشتريها منه ويوليّ عليها من يتعهّدها ويستغلها. وإذا كان الإنتاج وحفظ النسل مشتركًا بين الرجل والمرأة بل جلّ أركانه مختص بها ومتوقف عليها فلمَ لا يكون الطلاق مشتركًا بينهما أيضًا إذا اقتضت الأسباب ذلك. إذ الطلاق عندي من غير سبب إن هو إلاّ بطر وسفه. أقبح من ذلك إن رؤساء النصارى يأذنون في مثل هذه الحال في فراق الزوجين. ولكن لا يأذنون لهما في الزواج وإِن يكن داء الرجل عضالًا لا يرجى له علاج في مدة انفصاله عن زوجته. فأي حكمة في ذلك وأي ضرر من تزوجها بغيره ليولدها البنين والبنات. فلعلما يأتي من يفوق غيره بالكسل والركاكة فيصير راهبًا أو مطرانًا. وعسى أن يأتي من بناتها من تتحمس بالوساوس والهواجس والأحلام فتصير راهبة. هذا وقد ورد في التوراة حكاية عن الباري تعالى أنه قال تكاثروا واملئوا الأرض على مبالغة فيه. فإن مَلء الأرض بشرًا يوجب خرابها لا عمرانها. وقال مار بولس إن المرأة تخلص نفسها بتربيتها البنين الصالحين. فهل تعليق الزوج والزوجة عن الزواج مطابق لنص هذين الحكمين. انظر إلى أهل هذه الجزيرة فإنك تجد أكثر الرجال منفصلين عن أزواجهم وعائشين بالسفاح. وقسيسوهم مصرّون على أن ذلك أوفق من الزواج الشرعي. مع أن القسيسين لا يعرفون الحقوق الزوجية لأنهم غير متزوجين. أيصح ترئيس رؤساء على الجند ممن لا يحسنون صنعة الحرب والمبارزة. فقلت لله درّك من أين لك هذا كله وقد طالما اشتبه عليك الأمرد والمحلوق اللحية عند قدومنا هذه الجزيرة. قالت ربّ شرارة أضرمت أتونًا. أني كنت اعرف من نفسي أني لا البث أن أنبغ في هذا. وذلك لكثرة ما كنت أرى واسمع عن المتزوجين من الخلاف والمعاسرة. والشكو والمنافرة. لا سيما وقد رأيت الآن بلدًا غير بلدي وأناسًا غير ناسي. واختبرت عادات جديدة وأحوالًا غريبة. فتوهّجت تلك الشرارة التي كانت مودعة في خاطري تحت دمان الوحدة والانفراد حين هبت عليها نكباء الأحوال المتغايرة والشؤون المتباينة. ولا سيما في ليلة الرقص التي لا تنسى. ومذحٍ خطر ببالي إن أملي عليك كتابًا في حقوق الرجال والنساء ولا بد من الشروع فيه. قال سأفعل ذلك إن شاء الله ولكن الأمير ينتظر قدومي عليه في المعتزل غدًا فلا بد من التوجه إليه قبل إنشاء الكتاب. قالت قد تشفّيت الآن قليلًا بما قلته فأذهب إليه وأرجو أن لا تعاودني هذه الاهتقاعة إِلا وأنت هنا. فاستغاث واستوزع. واستعاذ واسترجع. ثم ذهب إلى الأمير المشار إليه وبعد أن قضى معه مدة الاعتزال سافر معه إلى إيطاليا ثم رجع إلى الجزيرة محفوفًا بإكرام الأمير وإنعامه.

1 / 203