وكان وقع أقدامهما مسموعا الآن ولم يلبثا أن خرجا من الظلام فأطفأ يوري الشمعة وابتسم وهو مضطرب إذ كان لا يدري كيف يستقبله القوم. وقد جلله الطين الأصفر. وكان منه آثار على كتف سينا فقد احتكت بجانب الغار.
وسألهما سمينوف بفتور: «ما عندكما؟»
فقال يوري وكأنه يعتذر: «إن المكان رائق جدا لولا أن الممر لا يفضي إلى بعيد وهو مسدود وقد رأينا ألواح خشب متعفنة ملقاة هنا وهاهنا.»
وقالت سينا والتمعت عيناها: «هل سمعتم طلقة المسدس؟» فقاطعها إيفانوف صائحا: «أيها الإخوان لقد شربنا كل الجعة وانتعشت نفوسنا جدا فلنعد.»
ولما توسطوا النهر بالقارب كان القمر قد طلع. وكان الليل ساكنا صافيا والنجوم الذهبية تلتمع فوقهم وحولهم وفي قبة السماء وفي صفحة الماء، فكأن الزورق معلق بين كونين لا يقاس لهما غور. وبدت الغابة المظلمة على شاطئ النهر مستبهمة معجمة السر، وغرد عندليب فأصاحوا في سكون. ووقع في نفوسهم منه أنه ليس بطائر بل حالم طروب يرسل الصوت في جوف الظلام.
وخلعت سينا كرسافينا قبعتها وانطلقت تغني أنشودة روسية عذبة شجية ككل الأناشيد الروسية. وكان صوتها العالي الرنان هافيا ينال من القلب وإن لم يكن بالقوي.
فتمتم إيفانوف: «هذا عذب.» وقال سانين: «فتان.»
ولما فرغت من الغناء صفقوا لها جميعا وارتد إليهم الصدى من الغابات المظلمة على جانبي النهر.
وقالت لياليا: «غنينا لحنا آخر يا سينا - أو افعلي ما هو خير - أنشدينا قصيدة لك.»
فقال إيفانوف: «وشاعرة أيضا؟ ما أكثر الهبات التي يجود بها الله الكريم على مخلوقاته!»
صفحة غير معروفة